اكتست بعض الظواهر الاجتماعيّة والسياسيّة الهامّة في منطقة الجوار الأوروبي طابعا دينيّا تفاقم شيئًا فشيئًا حيث اتّخذت الراديكاليّة، كما يصفها اوليفي روي، منحى دينيًّا واتّسمت النزاعات داخل الدّول وبينها بمسحة طائفيّة والحكومات إمّا تسعى إلى مزيد بسط نفوذها على الدّين أو أنّ انهيار الحكم المحلّي أكسب الفاعلين الدّينيّين أكثر مشروعيّة من الحكومة المركزيّة.
أمّا داخل الدّول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فنشهد ظهورًا مجدّدًا للدّين إلى جانب اتّجاهين متزامنين أوّلهما الحياة الحضريّة النواتيّة المنفردة التي تتطلّب المزيد من الرّوحانيّة ونقطةً مرجعيّةً تربط الفرد بواقع الحداثة والتنوّع وثانيهما الاستقطاب الاجتماعي حول التصوّرات والأديان وخاصّة الإسلام.
تعتمد هذه الدّراسة المشتركة وجهة نظر مؤسّساتيّة تجاه العلاقات بين الدّولة والدّين رغم أنّ تعريف المؤسّسات الدّينيّة يعتمد المعنى الواسع ويشمل الدّين من جانبيه الرّسمي وغير الرّسمي ممّا يجعل من المجال خارج العلاقات المؤسّساتيّة بين الدّين والدّولة إمّا مجالاً محدودًا او يحدّه في نطاق التّعبيرات الفرديّة للتديّن. وبذلك تصبح الصّبغة المؤسّساتيّة تمثّل العمل السياسي من خلال ومع المؤسّسات. يمكن أن يختلف هذا الوضع من جوانب متعدّدة هي التبعيّة (التبعيّة إلى الدّولة وتحكّم الدّولة والاستقلاليّة بالنّسبة إلى الدّول) والحجم والتّجانس والتّركيز المحوري والمساءلة والمصداقيّة…
تهدف مختلف أبواب الدّراسة إلى تقديم لمحات عامّة ودراسات افراديّة لتغطية جميع مستويات العلاقات بين الدّولة والدّين في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا: (1) العلاقات بين الدّولة والمؤسّسات الدّينيّة في أوروبا؛ (2) العلاقات بين الدّولة والمؤسّسات الدّينيّة في منطقة المغرب العربي؛ (3) العلاقات بين مؤسّسات لأديان مختلفة (الفتيكان والأزهر)؛ (4) دور المؤسّسات الدّينيّة الاسلاميّة في دفع سياسة الدولة داخل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.