في منطقة تيميمون الجزائريّة، يعمل برنامج جيل سياحة المموّل من الاتحاد الأوروبي على تمكين روّاد الأعمال الشبّان على بعث روح جديدة في الحرف الموروثة عن الأسلاف حيث يدعم الاتحاد الأوروبي، من خلال التّدريب والتّمويل والمرافقة، النّساء المحليّات على غرار فاطمة الزّهراء لمعلّم على بعث مبادرات متجذّرة في الاستدامة والتّقاليد مع بيان كيف أنّ ممارسات الاقتصاد الدّائري من شأنها أن تغيّر الحياة والمشهد الطّبيعي.
شجرة في الحديقة تتحوّل إلى بذرة تغيير
عندما رأت فاطمة الزّهراء لمعلّم لأول مرة نبتة الحناء في حديقة منزل عائلة زوجها في تيميمون، لم تعتبرها مجرّد شجرة بل شهدت فيها المستقبل: ” حاولت استعمال ورق الحنّاء وانبهرت بجودتها لكنّني تبيّنت أيضا أنّنا نستخدم دائما الحنّاء المورّدة من الهند مع إضافة بعض المواد الكيميائيّة أحيانا!”.
بالنّسبة لفاطمة الزّهراء، زرع هذا الادراك داخلها بذرة ستتحوّل فيما بعد إلى حنّاء تيميمون وهو مشروع لإنتاج الحنّاء الطبيعيّة في منطقة قورارة النّائية. انطلقت فاطمة بعشرين نبتة فقط وخاضت تجارب متعدّدة قبل أن تصل إلى طريقة الزّراعة الصّحيحة. في هذا الصّدد، تقول المزارعة البالغة من العمر 31 سنة:” انطلقت من نقطة الصّفر وتعلّمت من البحوث على الانترنت والتّجارب والأخطاء داخل أرجاء حديقتي”. وفي غضون خمس سنوات، أفضت جهودها إلى أكثر من 500 شجيرة يانعة ويناهز عدد شجر الحنّاء اليوم في مزرعتها 6000 شجرة.
ليست مزرعة الحنّاء مجرّد إنجاز زراعي بل هي ثورة شخصيّة في حياة فاطمة: ” في البداية، كنت أنا وزوجي عاطلين عن العمل وكانت الأوضاع صعبة لكنّه آمن ايمان راسخا بفكرتي حتّى أنّه باع سيّارته لمساعدتي على إطلاق المشروع”. ساعدت هذه الخطوة فاطمة على تجهيز ورشة عمل من الحجم الصّغير وإضفاء الطّابع الرسمي على نشاطها وانطلقت في البيع المباشر إلى الزّبائن.
تعاونيّة نسويّة متجذّرة في التّقاليد
ما بدأ كمشروع منزلي أصبح الآن نشاطًا تجاريًا مزدهرًا. توظف شركة فاطمة الناشئة 12 امرأة خلال مواسم الحصاد، وخمس نساء على مدار العام في الورشة. وتوضح قائلة: “معظمهن من خلفيات هشّة. لا توجد الكثير من فرص العمل في تيميمون، خاصةً للنساء. أنا من أدرّبهن بنفسي خلال أسبوعين من التدريب العملي، وبعدها يصبحن جاهزات”.
يُحصد الحناء ثلاث مرات في السنة، ويُنتج ما يصل إلى خمسة قناطير سنويًا، ويتم تحويله إلى مسحوق يُستخدم لأغراض تجميلية وصحية. تنتج “حناء تيميمون” 30,000 كيس سنويًا، جميعها من مكونات طبيعية 100% وخالية تمامًا من المواد الكيميائية. وتصف فاطمة علامتها التجارية بكل فخر بأنها “100% بيولوجية”.
لكن بالنسبة لها، هذا المشروع يتجاوز كونه مجرد عمل تجاري. “الحناء جزء من هويتنا الثقافية. إنها حاضرة في أعراسنا، واحتفالاتنا، وطقوس الجمال لدينا. أردت أن أحافظ على هذا التراث”. ويساهم مشروعها الناشئ في حماية الزراعة الواحية، وتعزيز الزراعة الإيكولوجية، وصون التقاليد المحلية التي تواجه خطر الاندثار.
من الجذور المحليّة إلى الاعتراف الوطني
شاركت فاطمة الزّهراء، سنة 2023، في مسابقة جيل سياحة بعد أن قرأت إعلانا عبر مواقع التّواصل الاجتماعي. فازت بالمرتبة الثانية في صنف EU4HERITAGE وكانت تلك المشاركة نقطة فاصلة بالنّسبة لشركتها النّاشئة: ” غيّر الفوز بالجائزة كلّ الأوضاع حيث أصبح منتوجي معروفا على المستوى الوطني واكتسبت الكثير من الثّقة ممّا جعلني أوسّع نطاق العمل”.
بفضل الدّعم الأوروبي، حصلت فاطمة على تدريب في مجال تطوير الأعمال وعلى المرافقة وتوجيهات تتعلّق بالتّسويق: ” لم يقتصر الدّعم على المبلغ المالي بل تعلّمت منهم كيف أبني مشروعا متكاملا وتحوّلتُ من العمل في غرفة تمسح 12 مترا مربّعا إلى ورشة تمتدّ على 50 مترا مربّعا ومجهّزة بمعدّات مهنيّة”
كما ربطها برنامج جيل سياحة بشبكة من روّاد الأعمال الشبّان والمرافقين لهم: ” مازلت أتواصل مع المدرّب الذي رافقني ومع المشاركين الآخرين لتبادل النّصائح والدّعم فيما بيننا”. يمثّل حنّاء تيمومين مثالا للمشروع النّاجح وقد رحّب مؤخّرا بزيارة المسؤول الجديد على الإدارة العامّة للشرق الأوسط وشمال افريقيا والخليج، ستيفانو سنينو.
كبر اليوم حلم فاطمة وهي تخطّط حليّا لمزيد توسيع مساحات الزّراعة وتطوير منتجات جديدة مثل الأقنعة لمعالجة الوجه والخضاب الطبيعيّة للشّعر وربّما الشّروع في التّصدير. ومن أهمّ الأفكار التي تراودها نذكر إطلاق تجربة في مجال السياحة الزراعيّة حيث يتمكّن الزّائرون من اقتطاف أوراق الحنّاء والاطّلاع على عمليّة الإنتاج والتمتّع بالطّبخ المحلّي والأنشطة الثقافيّة. قالت لنا فاطمة بنبرة ملؤها الفخر: ” أريد أن يرى النّاس جمال تيمومين وأن يكتشفوا تقاليدنا وأن يشعروا برابط يشدّهم إلى أرضنا”.
جيل سياحة هي مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي ووزارة السياحة والصناعات التقليديّة الجزائريّة وهي مموّلة عبر الآليّة الأوروبيّة للجوار. تهدف المبادرة إلى دعم ريادة الأعمال الشبابيّة في مجال السياحة وسلاسل القيمة ذات الصّلة (الزّراعة وفنّ الطّهي والفنون والحرف…). يشمل التّنفيذ أربع ولايات نموذجيّة هي تيمينون وجانت وسطيف وتلمسان ويستهدف الشباب بين 18 و35 سنة بالتّركيز على النّساء وذوي الاحتياجات الخاصّة. من خلال تقديم التّدريب والتّمويل والمرافقة، يساعد برنامج جيل سياحة على تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع مستدامة تساهم في التنمية المحليّة وممارسات الاقتصاد الدّائري.
https://www.facebook.com/Jilsiyaha https://www.instagram.com/jil.siyaha/ https://www.linkedin.com/company/jil-siyaha/ |