ياسمينة بوعافية: بناء مستقبل مستدام بدعم من الاتحاد الأوروبي

مايو 12, 2025
مشاركة في

في منطقة القصرين التّونسيّة، تحدّت ياسمينة بوعافية التّقاليد لتأخذ بزمام المزرعة العائليّة وتحوّلها إلى نموذج للاستدامة وبدعم من برنامجدعم التنمية المستدامة في قطاع الفلاحة والصيد البحري الحرفيADAPT ” المموّل من الاتحاد الأوروبي، تحصّلت على التّمويلات الضروريّة لتحديث نشاطها الزّراعي وإدخال ممارسات صديقة للبيئة.  تبلغ الميزانيّة المخصّصة لبرنامج ADAPT 70 مليون يورو وهو يسعى إلى تحويل القطاع الزّراعي التّونسي من خلال مساعدة المزارعين مثل ياسمينة للنّفاذ إلى التّمويل وبناء مستقبل أكثر صمودا.

ياسمينة بوعافية مزارعة شابة من ماجل بالعباس، وهي قرية صغيرة في ولاية القصرين التونسية. تمسح المزرعة العائليّة 15 هكتارا وهي مزروعة بالفستق واللوز والزيتون والخضروات مثل الطماطم ولا تقتصر قصّة ياسمينة على علاقتها بالأرض التي ورثتها بل أيضا بطريقتها في إعادة تعريف ما يعنيه أن تكون مزارعة وبنت مزارع ورائدة في ذات الوقت. 

نشأت ياسمينة في مجتمع كثيرا ما تتنازل فيه المرأة عن ميراثها الزراعي لفائدة اخوانها الذّكور لكنّها اتّخذت خطوة جريئة بعد وفاة والدها عندما قررت أن تتحمل المسؤولية الأولى للمشروع العائلي وقد شرحت لنا ذلك القرار بقولها: “انطلقت في هذا المشروع بسبب وفاة والدي ” واضافت بصوت مرتعش: “قرّرت ذلك لأحافظ على الصّلة التي تربطني به ولأشعر بأنّه لم يفارقني لأنّني أعتبر أنّه معنيّ بالمشروع بقدر ما أنا معنيّة به”.

تسلّحت ياسمينة بشهادتها في الهندسة الزراعيّة وبرغبة جامحة في تخليد ذكرى والدها لتصبّ كافّة جهودها في العمل على إعادة إحياء المزرعة. حصلت على قرض لتمويل خطّة أوليّة للريّ وحفر آبار وتحضير الأرض للزّراعة لكن سرعان ما نفذت الأموال وتعطّل المشروع لتخامرها المخاوف من أن تتبخّر أحلامها.

في هذه المرحلة، تعرّفت بمحض الصّدفة على برنامج ADAPT. 

شريان النموّ

شكّلت تلك الصّدفة نقطة تحول في حياة ياسمينة لأنّ البرنامج المصمّم لدعم التنمية المستدامة للزراعة التونسية والصيد البحري الحرفي، مكّنها من تمويل تلقائي ومساعدة على مستوى الإجراءات الإدارية المعقدة. تقول ياسمينة في هذا الصّدد: ” غيّر برنامج ADAPT كل شيء لأنه لم يقتصر على مدّ يد المساعدة والدّعم، بل لم يكن المشروع ليكون لولا البرنامج”. 

بدعم من برنامج ADAPT، حصلت ياسمينة على قروض إضافية ووضعت اللمسات الأخيرة على خطّتها التّمويليّة. وظّفت التّمويلات لإنشاء بنية تحتيّة هامّة تتمثّل في بناء فضاء لتخزين الاعلاف وتجهيزه وربطه بالطّاقة الكهربائيّة مع خزّان مغطّى بغشاء أرضي ومدّ شبكة للريّ بالتنقيط على 8 هكتارات وزراعة أصناف محلية من أشجار اللوز والفستق والزيتون. كانت هذه الاستثمارات كفيلة بضمان استدامة المزرعة وجعلت منها أيضا نموذجا للصّمود والاستدامة في مواجهة التحديات المناخية.

كما مكن الدّعم ياسمينة من اعتماد ممارسات مبتكرة مثل تحويل فائض الإنتاج إلى سماد ونفايات ما بعد الحصاد إلى علف حيواني حيث لا يقتصر نظام الحلقة المغلقة هذا على الحدّ من كمية النفايات بل هو يساهم أيضا في تحقيق الاكتفاء الذاتي للمزرعة. وبالنسبة إلى ياسمينة، ليست هذه التطورات مجرّد تقدّم في ممارساتها الزّراعيّة بل هي تجسيد لنهج شامل للاستدامة يتلاءم تماما مع تدريبها الأكاديمي وفلسفتها في الحياة.

رعاية التّغيير 

بصفتها مهندسة زراعية، لم يكن النّهج الذي تعتمده ياسمينة في نشاطها الزّراعيّ يتوقّف عند المحاصيل والأرباح وقد شرحت لنا وجهة نظرها قائلة: “لقد اطّلعت خلال سنوات دراستي على أهداف التنمية المستدامة ودرست الاستدامة واحتياجات النّبتة وكيفية العمل بطريقة تحترم الأرض والنظام البيئي بأكمله”. 

هذا ما يميّز ياسمينة في قطاع غاليا ما يشكّل فيه تحقيق الأرباح على المدى القصير أولويّة على حساب الوضع البيئي على المدى البعيد وهو ما ترفضه ياسمينة قطعيّا. 

تربط ياسمينة بعملها علاقة عاطفيّة وفكريّة في ذات الوقت لانّ حبّها لوالدها وارتباطها بالأرض وخبرتها العلميّة هي العوامل التي تغذّي شغفها. لكّنّها رائدة أيضا على المستوى الاجتماعي لأنّها امرأة تدير مشروعا زراعيّا في قطاع تهيمن عليه الذّكوريّة. وفي الريف التّونسي، حيث تعيش ياسمينة، تشكّل المرأة أغلبيّة اليد العاملة الفلاحيّة لكنّها أقليّة ضمن مالكي الأراضي وياسمينة اليوم في طريقها نحو تغيير هذا المشهد.

تشغّل مزرعتها حصريّا اليد العاملة النسويّة والمحليّة لتساهم بذلك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمنطقتها: “أتمنّى أن أخلق ديناميكية للتنمية والازدهار محليّا وأريد أن أكون في تناغم مع النظام البيئي لا فقط على المستوى البيئي ولكن أيضا اجتماعيا واقتصاديا”.

برنامج دعم التنمية المستدامة في قطاع الفلاحة والصيد البحري الحرفي: سدّ ثغرة التّمويل في المجال الزّراعي 

أحدث برنامج دعم التنمية المستدامة في قطاع الفلاحة والصيد البحري الحرفي ADAPT تغييرات عميقة بالنسبة للمزارعين وصغار الصيادين في جميع أنحاء تونس. البرنامج مموّل من الاتحاد الأوروبي بميزانية قدرها 70 مليون يورو وتنفذه الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي وهو يعتمد نهجا مبتكرا ومستداما يضمن الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي والإدارة المسؤولة للموارد.

يركز ADAPT على الاستثمار الخاص كمحفز للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو يهدف إلى دعم أكثر من 8200 مشروع زراعي وللصّيد البحري الحرفي بحلول سنة 2028، بما في ذلك المزارعين والمشاريع الصّغرى والتعاونيّات في كلّ جهات البلاد. تتنزّل المرأة والشباب في صميم البرنامج: 15٪ من المستفيدين هم من النساء و26٪ دون سن 35 سنة.

يضطلع البرنامج بدور حاسم في تيسير نفاذ المزارعين وصغار الصيادين إلى القروض لأنّهم يواجهون صعوبات   في الحصول على التّمويل عبر القنوات البنكيّة التّقليديّة.  توضح ماريون بيتشو، خبيرة الاتصال لدى البرنامج: “غالبا ما يرغب المزارعون والصيّادون في تطوير أعمالهم لكنّهم لا يستطيعون النّفاذ إلى التّمويل ويواجهون الكثير من المشاكل في التّعامل مع البنوك “.

لسد هذه الفجوة، يتولّى البرنامج تقييم جدوى واستدامة كل مشروع قبل تقديم الدعم المالي ويتأكّد من أنّها تستجيب إلى ثلاثة شروط أساسيّة تتمثّل في الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية. بعد المصادقة على المشروع، يعمل البرنامج على تيسير النّفاذ إلى البنوك ويوفّر التّمويل الذّاتي الذي يصل إلى نسبة 14٪ من مبلغ القرض المطلوب وهو ما يساعد بشكل كبير قدرة المزارعين والصيّادين على الحصول على قرض. أضافت ماريون بيتشو في هذا السّياق: “عند دراسة طلب القرض، يجد البنك أن طالب القرض قد استوفى شرط التّمويل الذّاتي وأنّ البرنامج يضمن استدامة المشروع وهو ما من شأنه أن ييسّر الحصول على التّمويلات المطلوبة”.

عبر ضمان هذا الدعم المالي، يمكّن برنامج ADAPT المزارعين، مثل ياسمينة بوعافية، من توسيع مشاريعهم الزراعية ويتناغم تركيزه على الاستدامة مع الرّؤية التي تحملها ياسمينة عن المزرعة المزدهرة مع احترام تامّ للنّظام البيئي.

اقرأ في: English Français