يعمل برنامج “TAMURI” الممول من الاتحاد الأوروبي على تعبئة ريادة الأعمال والابتكار والاستراتيجيات الإبداعية لتمكين المبادرات والمنظمات الناشئة في المغرب والارتقاء بها. من خلال الدعم المخصص والتركيز على الاستدامة المالية، يمدّ برنامج TAMURI جسرا بين ريادة الأعمال والمشاركة المدنية كما تبيّن قصص النجاح مثل “قابلتي” و “الخطّ الجميل” التأثير العميق الذي أحدثه البرنامج وأنّه يستطيع أن يكون محفّزا لنموّ المؤسّسات وتغيير المجتمع.*
يعرف المغرب، بين الشوارع الصاخبة في مدنه النابضة بالحياة والجمال الهادئ للمناظر الطبيعية في ريفه تحوّلا عميقا يتميز بالتصميم الهادئ لكلّ من يرغبون في تحويل مجتمعهم من الداخل. يحدث هذا التحول عبر برنامج TAMURI الذي يشكّل محفّزا للتغيير وشهادة على قوة المبادرات الشعبية.
لكم أن تتخيّلوا المشهد: هي امرأة شابة في الدار البيضاء، مصّرة بكلّ عزم على إحداث ثورة على مستوى الرعاية الصحية للأمهات. وفي سوس ماسة، بين الجبال والبحر، يعمل مدرّس متبصّر على إعادة فنّ الخطّ إلى الحياة وتحويله إلى أداة للتمكين. كلاهما يمثّل فصلا من فصول قصّة TAMURI، البرنامج الذي لا يقتصر على توفير الموارد بل يطلق شرارة الابتكار والصّمود والتأثير الاجتماعي.
مدّ الجسور بين روح المبادرة والمشاركة المدنية
يهدف برنامج TAMURI إلى تعزيز المنظومة الجمعيّاتيّة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع المدني، وهو يركّز على المنظمات والمبادرات الصّغرى وعلى الأفكار الإبداعيّة التي تحتاج إلى التشجيع وكذلك على الهيئات غير الرسمية وغير المهنية التي لديها إمكانات واسعة.
في هذا الصّدد، قالت صوفيا البهجة، واحدة من أعضاء فريق البرنامج: ” أهداف البرنامج متعددة الأوجه. فنحن لا نريد فقط تعزيز قدرات المبادرات الناشئة ومنظمات المجتمع المدني، بل نسعى أيضا إلى تطوير نماذج اقتصادية مستدامة وإشراك الجهات الفاعلة في ديناميّات الشبكة المواضيعية التي تصمد أمام اختبار الزمن”.
يركّز برنامج TAMURI على نحو استراتيجي على المجتمعات المحليّة ذات الأولوية في خمس جهات مستهدفة في المغرب هي الدار البيضاء – سطات، الشرق، سوس -ماسة، طنجة -تطوان -الحسيمة وبني ملال -خنيفرة وهو يهدف من خلال ذلك إلى التأثير على حياة 166 ألف مستفيد من خلال 500 جمعية ومبادرة ناشئة.
أكّدت صوفيا على التزام البرنامج بمعالجة الاحتياجات المحددة بشكل استراتيجي سعيا إلى تعزيز تنمية المجتمع المدني حيث تمّ تحديد هدف طموح يتمثّل في تغطية 500 منظمة تتابع مسار الاحتضان حتّى وصول المشروع إلى نهايته سنة 2025.
النّهج المعتمد لبرنامج TAMURI: التواصل والتعاون والشمولية
يقتطف برنامج TAMURI بالأساس الجوهر الذي يميّز الشركات الناشئة وروّاد الأعمال ليضعه في خدمة المجتمع المدني. يتعلق الأمر بتوظيف ريادة الأعمال لصالح منظّمات المجتمع المدني، إقرارا بأن منظّمات المجتمع المدني هي منظّمات غير ربحيّة لكنّها تتصرّف في الموارد لتحقيق تأثير مستدام. ولا يقتصر هذا البرنامج على جلب التّمويلات الخارجيّة، بل يسعى أيضا إلى تمتين عقلية الاستدامة المالية صلب المجتمع المدني.
تقول صوفيا: “العملية برمتها هي بمثابة المسار المتكامل، حيث نبدأ بتنظيم هاكاثون لإنشاء منصّة للأفكار المبتكرة ثمّ نختار مبادرات وندعمها من خلال المعسكرات التدريبية والمرافقة وأخيرا الدعم المالي”.
تشكل فعاليّات التّشبيك والشبكات المواضيعية العمود الفقري لنهج TAMURI وهي جزء لا يتجزأ من البرنامج لتصبح بذلك النّسيج الذي يربط المنظمات والمبادرات ويخلق من خلالها شبكة تعاونيّة فعّالة، تصفها صوفيا بقولها: “هنالك شيء يشبه الشبكة المواضيعية، مثل النوادي، وهو يمثّل المجال الذي تُطرح فيه التحدّيات المحلية، حيث يتم نقل النتائج لمناقشتها من المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي وأخيرا الوطني. هي مقاربة تصاعديّة لمعالجة التحديات واقتراح الحلول”.
الكشف عن تأثير برنامج TAMURI
بينما مازلنا نتبيّن الآثار الملموسة على المدى البعيد، ترك البرنامج بعدُ بصمته على عقلية وأنشطة منظمات المجتمع المدني المشاركة. وقد نقلت لنا صوفيا شيئا من تقدّم TAMURI والتّغييرات التي أحدثها:
” لا شكّ في انّ التّمويل يشكّل عاملا محفّزا، لكن التأثير الحقيقي يظهر على مستوى الأنشطة المنظمة والفرق المتماسكة والتغيير التنظيمي العميق وقد اضطلع في ذلك مسار الحضانة والدعم، ولا فقط التّمويل، بدور بارز “.
هنا، تصف صوفيا تحولا جوهريا في العقلية. فمنظمات المجتمع المدني التي كانت تتجنّب تحقيق مداخيل أصبحت الآن تُقدم عليه كوسيلة لدعم أنشطتها الخيرية. لقد كسر البرنامج العقليات القديمة وبشر بعصر جديد لا نتقبّل فيه الاستدامة المالية فحسب، بل نعتبرها أداة فعالة للتأثير الاجتماعي.
” أصبح عمل تلك المنظّمات أكثر تنوعا وهي تفكّر في توسيع نطاق أنشطتها. فقد غيرت معسكرات التدريب الطريقة التي تعتمدها منظّمات المجتمع المدني لتنتقل من الهياكل غير الرسميّة التي كانت عليها إلى التخطيط الاستراتيجي وتحسين طريقتها في التّواصل”
قصص نجاح ساهم برنامج TAMURI في تحقيقها
يقدّم مشروع “قابلتي” في الدار البيضاء، الذي تنفذه جمعية الصحة والتنمية، خير مثال عن التأثير الملموس لبرنامج TAMURI. يهدف المشروع، الذي تشرف على إدارته بشرى كمال الإدريسي، تيسير نفاذ الامّهات إلى الرعاية الصحية حيث يضمن للنّساء الحوامل استشارة سريعة وفحصا طبيا في بيئة مريحة من خلال تقديم خدمات مراقبة الحمل في المنزل.
من خلال استخدام التّواصل الرقمي، تسعى فكرة المشروع إلى الحدّ من وقت الانتظار عبر تبسيط عملية أخذ المواعيد. إضافة إلى الخدمات الطبية، يؤكّد مشروع “قابلتي” على الرفاه الشامل أثناء الحمل وتغيير الانطباع ونظرتنا إلى صحة الأم. تطوّر مشروع بشرى، الذي يدعمه برنامج TAMURIو نجح في تحقيق المزيد من الاستدامة.
“الخط الجميل” في سوس -ماسة، تحت رعاية اليراع للخطّ، هو قصة نجاح أخرى حقّقها برنامج TAMURI. يهدف المشروع، الذي أطلقه مصطفى ملاحظ، إلى معالجة مشكلة الخطّ السيّء لدى الطّلبة الذين يتراوح سنّهم بين 10 و16 عاما، حيث يبحر الأطفال معه في رحلة تغيّر حياتهم ويتعلّمون عبرها الخطّ من خلال برنامج احتضان تمّ تصميمه بكلّ عناية لتحسين مهارات الكتابة لدى طلبة المدارس ولتحسين أدائهم الأكاديمي واحترامهم لذاتهم في ذات الوقت. تحت إشراف مصطفى، أصبح الخط أكثر من مجرد وسيلة فنية بل أداة فعالة لتحقيق الذات والإنجاز الأكاديمي. بدعم من برنامج TAMURI، يسدّ “الخط الجميل” فجوة في المشهد التعليمي في سوس-ماسة وهو مثال على التزام البرنامج تجاه تعزيز الابتكار والتأثير الاجتماعي.
برنامج “TAMURI” الممول من الاتحاد الأوروبي (2022-2025) هو مكوّن رئيسيّ للمبادرة الأوروبيّة لمشاركة المواطنين في المغرب، التي تدعم المجتمع المدني في البلاد. من خلال نهجه الشامل، لا يكتفي TAMURI بتعزيز المنظمات، بل يعمل على بناء عقليّة تمكن منظمات المجتمع المدني من العمل صلب المشهد المعقد للاستدامة المالية والتأثير الاجتماعي. يهدف البرنامج إلى دعم 500 منظمة من منظّمات المجتمع المدني بحلول سنة 2025، والوصول إلى 161 ألف مستفيد مباشر، على غرار أعضاء منظمات المجتمع المدني المستفيدين من المشروع والمشاركين في الهاكاثون. كما سيصل عدد المستفيدين غير المباشرين إلى 5000 من خلال الأنشطة التي تنجزها منظمات المجتمع المدني والمبادرات الناشئة التي تنتفع عادة من فترة احتضان.