فاطمة الغمراوي هي شابّة اصيلة طرابلس اللبنانيّة وهي تحمل التزاما قويّا تجاه المجتمع المحلّي. انخرطت في المنظّمة غير الحكوميّة يوتوبيا ثمّ التحقت بمشروع “عزم الشباب” الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي بهدف معالجة ندرة المياه من خلال حلول مبتكرة. تتجاوز رؤية فاطمة النجاح الشخصي وتسعى إلى تمكين الشباب بشكل جماعي لإحداث تغيير إيجابي على الصعيد الوطني. قصة فاطمة هي شهادة على التأثير الدائم للشباب وصمود المجتمع المحلّي والإمكانات اللامتناهية للتعاطف من أجل مستقبل أفضل.
بذور التّعاطف
أصبحت فاطمة الغمراوي وهي في سنّ الثالثة والعشرين منارة للأمل في مجتمعها المحلّي. نشأت في طرابلس بلبنان، وبدأت رحلتها في عالم العمل التطوعي منذ سن السادسة. لم تكن العطلات المدرسية تمثّل بالنّسبة لها فترة للرّاحة فحسب بل وأيضا فرصة لدعم الجمعيات الخيرية مع أفراد عائلتها وبذلك زرعت هذه التجارب المبكرة بذور الرحمة في قلب فاطمة التي شرحت لنا ذلك بقولها: “حتى عندما كنت طفلة لاحظت الاختلافات في حياة غيري من الأطفال، لماذا يرتدي بعضهم ملابس رثّة ولماذا لا يذهب جميعهم إلى المدرسة مثلي؟”. أثارت هذه الأسئلة فضولها وأصبحت موضوع نقاش مع والدتها التي علمتها أهمية مساعدة المحتاجين وتعزيز المجتمع المحلّي من أجل تحسين نوعية الحياة للجميع.
رحلة التمكين
عندما كبرت فاطمة تعمق وعيها بعدم المساواة الاجتماعية مما أيقظ رغبتها في التأثير بشكل إيجابي على مجتمعها المحلّي. دفعها هذا الشغف إلى الانخراط في المنظّمة غير الحكوميّة يوتوبيا التي كانت معجبة بها منذ مدّة. سنة 2019، قطعت خطوة أهمّ في ذلك المسار عندما انظمّت إلى “عزم الشباب” وهو مشروع يركز على تمكين الشباب والمناصرة لفائدة الاستقرار الاجتماعي في لبنان.
“عزم الشباب” هو التزام متواصل يجسّده مجمع يتألّف من منظّمة الرّؤية العالميّة ويوتوبيا وجمعيّة التّنمية للإنسان والبيئة و GAME بتمويل من الاتحاد الأوروبي عبر الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية “مدد”. تهدف هذه المبادرة إلى تزويد الشباب بالأدوات الضروريّة ليكون لهم تأثير داخل مجتمعاتهم المحليّة. يركز المشروع أساسا على تعزيز قدرة الشباب على الصمود وتعزيز التماسك الاجتماعي في سياقات ما بعد الصراع ويعتمد المشاركة النشطة للشباب اللبناني واللاجئين السوريين في عمليات صنع القرار المحلية كما يشمل نهجه متعدد الأوجه أنشطة لبناء السلام تعتمد الرياضة كمحور رئيسي لتعزيز الاستقرار الاجتماعي وتعزيز التنمية المحلية وغرس الشعور بالمواطنة النشطة ضمن الشباب اللبناني. يوفر المشروع لفاطمة وللعديد من الشباب مثلها فرصة لتعزيز التزامهم تجاه التغيير الاجتماعي.
تقول فاطمة في هذا الصّدد مجسّدة العزم الذي صاحبها على مدى رحلتها: ” تتمثّل الرسالة التي أريد أن أنقلها إلى الشباب في دعوتهم إلى الحفاظ على شغفهم ومتابعة أحلامهم مهما بدى تحقيقها صعبا لأنّ الانسان لديه القدرة على نيل كلّ ما تعلّقت به همّته”.
بيّنت مبادرات المشروع بما فيها عمليّة تقييم الاحتياجات في باب التبانة مشاكل ملحّة مثل ندرة المياه بسبب نقص الكهرباء وبكلّ رباطة جأش، عملت فاطمة وفريقها مع المجتمعات المحلية لإيجاد حلّ تمثّل في تركيب نظم تعمل بالطّاقة الشمسية لتشغيل مضخات المياه. في هذا الصّدد، قالت لنا فاطمة بفخر وهي تفكّر في الأسر التي ساعدتها جهودها: “كان للمشروع تأثير فوري وفوائد كبرى بالنّسبة إلى هذه المجتمعات المحليّة”.
الوحدة في الشدائد
تحوّل مشروع “عزم الشباب” إلى منصة للنمو الفردي وشهادة على صمود شباب لبنان فرغم التحديات التي طرحتها جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية، تضافرت جهود الشباب من مختلف المناطق واكتشفوا بذلك قوّة التضامن.
تتطلّع فاطمة إلى مستقبل يضطلع فيه الشباب بدور نشط في صناعة القرار وقيادة التّغييرات الايجابيّة. تتخطّى أحلامها النجاح الشخصي لتستهدف التمكين الجماعي حيث تتوفّر للشباب المهارات والفرص والمنصات للتعبير عن أفكارهم: “آمل أن يتمكن الشباب الذي يعمل حاليّا على المستوى المحلي من إحداث فرق في جميع أنحاء البلاد في غضون عشر سنوات أو حتى قبل ذلك”.
تحثّ فاطمة أقرانها على متابعة شغفهم وترسم رؤية لمستقبل أفضل حيث ينير العزم والابتكار والتضامن الطريق نحو لبنان أفضل. لا تقتصر قصّة فاطمة على نقل نجاح شخصيّ بل هي أيضا شهادة على التأثير الدّائم للشباب والإمكانات اللامحدودة للتعاطف.