بعد تخرجها من الجامعة، قررت ذكرى الترهوني، البالغة من العمر 31 عامًا، أن تخوض تجربة العمل في مجال تخصصها كأخصائية تغذية. ولكن سرعان ما أدركت أنها لا تجد ذاتها في هذا المجال. بعد فترة من التفكير والتأمل في شغفها الحقيقي، تمكنت ذكرى من افتتاح مشروعها الفني “كراسيفا”، المتخصص في تصنيع المنتجات المتنوعة من الفخار والخزف. قررت أن تترك مجال التغذية وتتجه إلى تحقيق حلمها الطفولي في الفن.
بداية المشوار
من خلال الجهد المستمر والتدريب المكثف، استطاعت ذكرى وصديقتها الوصول إلى مستوى عالٍ من الإتقان في مجال الحرف اليدوية. إذ تميزت منتجات “كراسيفا” بتصاميمها المبتكرة والفريدة التي تضيف لمسات فنية تتناسب مع أذواق الزبائن. تعكس هذه التصاميم الهوية الليبية وتعزز التراث الثقافي للبلاد. كما يتميز مشروع المشروع بصناعة الأواني من الصفر، مما يضمن تفرد كل قطعة بحد ذاتها بدلاً من الاعتماد على الرسم على الأواني الجاهزة.
يأتي اسم “كراسيفا” ليضفي سحرًا إضافيًا على المشروع، حيث استوحت الترهوني الاسم من درس فني سابق. في ذلك الدرس، علمتهم معلمتهم الروسية كلمة “كراسيفا”، والتي تعني “جميل” باللغة الروسية. ومن هنا، أصبحت “كراسيفا” الكلمة المشتركة التي تعبِّر عن جمال الفن الخزفي لهذا المشروع الفريد.
و يقوم مشروع كراسيفا بإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الفخارية، من أبرزها الأكواب بمختلف الأشكال والأحجام، والأواني الفخارية، بالإضافة إلى التحف والهدايا الفنية. يتميز المشروع باستخدام تقنيات تقليدية وحديثة لابتكار تصاميم مميزة تجمع بين الأصالة والحداثة، مما يجعل منتجاته تلقى رواجًا كبيرًا بين المهتمين بالفن والحرف اليدوية.
واجه المشروع تحديات عديدة منذ انطلاقه، لعل أبرزها صعوبة الحصول على الطين الأبيض عالي الجودة. في البداية، كانت الشركة تستورد الطين من تركيا، لكن ارتفاع تكاليف الشحن والاستيراد دفعهم إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة واقتصادية. بعد دراسة متأنية، قررت ذكرى استيراد الطين من إسبانيا عبر تونس، حيث تمكنت من تقليل التكاليف وضمان جودة المواد الخام المستخدمة في منتجاتها.
تحدثت صاحبة المشروع، ذكرى، عن هذه التحديات قائلة: “رغم التحديات التي واجهتها في بداية المشوار، إلا أن الأشخاص المحيطين بي كانوا دائمًا مصدر دعم وإلهام. لقد حفزوني على الاستمرار في الإبداع والابتكار، وهذا ما جعلني أتمكن من تجاوز العقبات وتحقيق النجاح.”
فرصة للتطوير مع الاتحاد الأوروبي
تلقت كراسيفا دعماً ريادياً من حاضنة الأعمال “خبراء فرنسا” بتمويل من الاتحاد الأوروبي، مما ساعد المشروع على النمو والتوسع. تمكنت كراسيفا من الحصول على منحة لشراء فرن بقيمة المنحة المقدمة، مما مكنها من تكبير مشروعها والاستفادة من هذا الدعم. وقد ظفرت كراسيفا بلقب أفضل مشروع في تدريبات الحاضنة.
حيث ان حاضنة الأعمال “خبراء فرنسا” الممولة من الاتحاد الأوروبي لعبت دوراً كبيراً في دعم العديد من المشاريع الريادية في ليبيا، حيث وفرت تمويلًا وإرشادًا متميزًا لأصحاب الأفكار المبدعة. من بين هذه المشاريع كان مشروع كراسيفا، الذي حقق نجاحاً باهراً منذ انطلاقه بفضل هذا الدعم. و عبر هذا البرنامج، استطاعت كراسيفا تجاوز التحديات الأولية وتوسيع نطاق أعمالها، مما يعكس التأثير الإيجابي لمبادرات الدعم الريادي في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحفيز الابتكار لذى الشباب الليبي.
و ساهم المشروع الفني في إحياء ثقافة الفن الخزفي في ليبيا، وعزز الاهتمام بهذه الحرفة الفنية القديمة. وأكدت ذكرى أن مشروعها هو الوحيدة في ليبيا التي ينتج بشكل يدوي هذا النوع من الفن، مما يجعله مشروعًا فريدًا في السوق المحلي. وذكرت أن المشروع يساهم في تعزيز التراث الثقافي الليبي من خلال تقديم منتجات فنية تعبر عن الهوية الليبية من خلال التصاميم و الرسومات.
تخطط ذكرى وفريقها إلى زيادة خط الإنتاج الشهري وتوسيع مكان التدريب للورش اليومية، بحيث تصبح كراسيفا مكانًا للتدريب والعرض والاستمتاع بتجربة فنية فريدة في عالم الخزفية. كما تعمل على تأسيس معرض خاص لعرض وتسويق منتجاتها الحرفية.
وتضيف ذكرى عن العملية الإنتاجية في قائلة: “أن تصنيع الفخار يمر بعدة مراحل وفي كل مرحلة لابد من مراعاة جوانب عدة، ولكن مع الاستمرار والشغف تغلبت على مشاكل وصعوبات كثيرة، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة المواد الخام المستخدمة في التصنيع، لكني تغلبت عليها من خلال البحث عن مصادر إنتاجها بتكلفة أقل.”
وتحدثت الشابة الثلاثينية أنها تمكنت من بيع منتجاتها في معظم المدن الليبية، بل وامتد نجاحها إلى الأسواق الدولية، حيث أرسلت منتجاتها إلى زبائن في دول أوروبية مختلفة. وأشارت إلى أن هذا الانتشار الواسع يعكس الجودة والتميز الذي تتمتع به منتجات كراسيفا وفق قولها.
إقبال وتميز
يعتبر الزبائن جزءًا هامًا من نجاح أو فشل اي مشروع، اي يقول، مفتاح الغزال، 30 عامًا، وهو أحد الزبائن المميزين للمشروع، إذ يشيد بالتجربة الفريدة التي يوفرها المتجر الفني في اقتناء الهدايا. يقول الغزال: “كراسيفا هو من أفضل المتاجر الإلكترونية بالنسبة لي. التصاميم الفريدة والمميزة تجعل كل قطعة حصرية لكل شخص، مما يضيف قيمة كبيرة للهدايا التي أشتريها.”
بدورها، تعتبر سهام الربيعي، 23 عامًا، أن كراسيفا هو وجهتها المفضلة لاقتناء المنتجات الخزفية. تقول الربيعي: “أحب اقتناء التشكيلات الجديدة والأفكار المبتكرة التي يصنعها فريق كراسيفا. لقد اقتنيت نحو 20 كوبًا من المشروع بالإضافة إلى التحف الخزفية الأخرى.”
وتأمل ذكرى وفريقها الصغير المكون من أربعة أشخاص في توسيع مشروعهم من خلال افتتاح متجر فعلي، لتعزيز وجودهم في السوق الليبي والتفاعل بشكل مباشر مع العملاء المحليين.
وتسعى كراسيفا في أن تصبح وجهة بارزة لمحبي الفنون التقليدية من خلال تقديم منتجات فريدة تعبر عن أصالة التراث الليبي وتعزز مكانته على الصعيدين المحلي والدولي.