كخلية نحل، تعمل سبعة عشر سيدة ليبية في إنتاج وبيع الملابس بمشغل “جميلة” النسائي بجنوب ليبيا. وقد استطاعت ذواتُ الأيادي الناعمة العاملات في المشغل بعملهن هذا كسر الحواجز والتغلب على الصعوبات؛ سعياً لتحقيق هامش ربح وإن كان بسيطاً.
تجربة فريدة
تقول جميلة منصور، مديرة المشغل البالغة من العمر 45 عامًا، إن مهنتها ليست سهلة بأي حال من الأحوال، بل هي مليئة بالتحديات. ومع ذلك، كانت هذه الفكرة تراودها دائمًا ونجحت في تحويلها إلى واقع عملي، وترى فيها فرصة لاستكشاف آفاق جديدة.
وأضافت: “بجهود متواضعة، بدأنا مشروعنا قبل عامين، وقد استقبل الناس فكرتنا بدهشة، متسائلين عن إمكانية نجاحنا. كما أن المخاوف بشأن توفير فرص عمل للنساء في المنطقة أحاطت بنا، وكنت أتساءل في نفسي: هل بإمكاننا حقًا تحقيق ذلك؟
وحول تلك الجدليّة، تضيف “نحن الذين نُقيّم قدراتنا وامكانياتنا. كل امرأة قادرة على احتراف أي مهنة إذا ما توفرت لديها الإرادة، وليس ذلك فحسب، لا تزال تذكر جيدًا مدى الشك الذي واجهته من المجتمع حول مبادرتها وحقها كامرأة في تحقيق الاستقلال المالي في البداية.”
نحن الذين نُقيّم قدراتنا وامكانياتنا. كل امرأة قادرة على احتراف أي مهنة إذا ما توفرت لديها الإرادة، و أتذكر جيدًا مدى الشك الذي واجهته من المجتمع حول مبادرتي وحقي كامرأة في تحقيق الاستقلال المالي في البداية.”
وتتابع جميلة: “لكننا تغلبنا على كل التحديات و حولناها إلى فرص، وتلقينا دعمًا ومساندة كبيرين من عائلاتنا، ونشأت بيننا وبين عملنا علاقة من الألفة والتعلق.”
و يتلقى المشغل دعمًا مادياً من الاتحاد الأوروبي، الذي يركز على مساعدة المشاريع الصغيرة خاصة تلك التي تديرها النساء بهدف دعم التنمية الاقتصادية في ليبيا.
ويسهم الاتحاد الأوروبي في دعم المهارات ذات الأهمية الكبرى في الأسواق المحلية في دول عدة، من خلال سلسلة من المبادرات التي تستهدف تنمية كفاءات الشباب وضمان مستقبل مشرق لهم.
و تمكنت جميلة وفريقها من توقيع عقود مع أكثر من خمسين مؤسسة تعليمية لإنتاج الزي المدرسي الموحد في المنطقة الجنوبية، واصفة ذلك بأنه الإنجاز الكبير الذي طالما حلمت به.
فرصة من ذهب
ترى أولئك النسوة أن المشغل يمثّل فرصة ثمينة، وعلى الرغم من كونهن في بداية مشوارهن إلا أنهن يبذلن جهودًا مستمرة لتطويره ليصبح مستقبلا مصدر دخل لعائلاتهن ويخلق فرص عمل جديدة.
وقد تلقّت منصور ورفيقاتها دورات تدريبية متخصصة واكتسبن خبرة في هذا المجال، مما مكنهن من تحقيق النجاح.
وتحرص سيدات المشغل على نشر فكرتهن بين أكبر عدد ممكن من النساء، وبالفعل بدأن في تدريب فتيات من عدة مدن في المنطقة الجنوبية، بهدف توسيع تأثير مشروعهن ومساعدة المزيد من النساء على تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وفي مشهد آخر، تبدو إحدى العاملات سعيدة، وهي تتنقل بين الآلات، وتُعيد تشكيل القماش في هيئة ملابس جميلة.
حيث ترى في المشغل ملاذًا لها من ضغوط الحياة، وتعبر عن سعادتها قائلة: “أشعر بسعادة كبيرة بالوقت الذي أقضيه هنا مع زميلاتي، نقوم بقص الأقمشة وإعادة تشكيلها لننتج قطعًا جميلة”.
وتُضيف السيدة الأربعينية، خلال حديثها “ينتابني شعورٌ بالفخر مع كل قطعة نُنجزها.. أشعر أنني صنعتُ شيئاً من لا شيء”.
وتتابع: “هذا العمل قدّم لنا فكرة داعمة لتمكين المرأة ذاتيًا، حيث نسعى لتطوير أنفسنا يومًا بعد يوم، ونكتسب خبرات جديدة تساعدنا في الحياة”.
وتشارك جميلة قصة شغفها وهوايتها بالتصميم منذ الصغر قائلة: “في بداية المشروع، واجهتني عدة صعوبات، أولها كان رأس المال، فقررت بيع كل ذهبي. وعلى الرغم من معارضة والدتي آنذاك وتردد زوجي، إلا أنني نجحت في إقناعهما، مع العلم بأهمية الذهب لدى المرأة الليبية، وبالفعل بدأت العمل مع خمس سيدات وآلتي خياطة فقط”.
وتستمر جميلة ورفيقاتها في مواجهة صعوبات أخرى في المنطقة الجنوبية، حيث تقول: “لقد وجدنا أنفسنا ندفع الثمن بسبب عدم وجود متاجر لبيع الأقمشة بالجملة في المنطقة، وهذا كان التحدي الأكبر بالنسبة لنا، ولكن تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي ودعمه لنا مكننا من التعاقد مع متجر يشحن لنا الاقمشة عند الطلب.”
تعزيز جهود إعادة التدوير
عملت جميلة أيضا على مبادرة بيئية ا تهدف إلى تعزيز جهود إعادة التدوير في البلاد وتوفير دخل إضافي للنساء إذ استفادت في مبادرتها من بقايا الأقمشة، وتحويلها إلى سلات قماشية متعددة الاستخدامات، بهدف الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية وتقليل الأثر البيئي السلبي المرتبط بها.
وقد تم إطلاق هذه الحملة نتيجة للزيادة المتسارعة في استخدام أكياس البلاستيك والنايلون في ليبيا، حيث يُقدَّر أن الاستهلاك السنوي للفرد الليبي من هذه الأكياس يتراوح بين 1000 و1500 كيس. هذا الرقم يزيد تقريبًا عن ضعف معدل استهلاك الفرد الأوروبي، مما يُظهر مستوى استهلاك البلاستيك العالي والمثير للقلق في البلاد.
وعن استهداف المخابز والأفران، قالت: “بما أن الخبز يُعد من الضروريات الأساسية التي تُعبأ عادةً في أكياس بلاستيكية، قررنا أن نستهدف هذا القطاع الحيوي. السبب يكمن في خطورة استخدام الأكياس البلاستيكية مع الخبز، نظرًا لأن هذه الأكياس مصنوعة من مواد كيميائية وبترولية قد تتفاعل، مما ينتج عنها مواد ضارة بالصحة، خاصة عندما يكون الخبز ساخنًا داخل الأكياس”.
وتؤكد بأنها لم تتوقع كل ما حققته من نجاح حتى هذه اللحظة. كنت دائمًا أحب هذا المجال وأعشق كل قطعة قماش أعمل عليها وأعيد تدويرها. كان يغمرني شعور بالسعادة البالغة كلما صممت وصنعت شيئاً ونال إعجاب الناس، كأنني ملكت العالم بأسره من فرط سعادتي”.
و النتيجة كانت تعليمية بقدر ما كانت ناجحة؛ تعلمنا الكثير من خلال الجهد والإصرار على التعلم. فور أن اكتشفت نساء المشغل قدرتهن على صناعة مطرزات جميلة تلقى إعجاب الناس ويقبلون على شرائها لجمالهاأدركن أهمية دورهن في القطاع الخاص.
ويعتبر القطاع الخاص في ليبيا قوة دافعة للابتكار، وخلق فرص العمل، والنمو الاقتصادي. لذلك، من الضروري إنشاء بيئة عمل مواتية تشجع على ريادة الأعمال وتضمن ظروفًا ملائمة للابتكار، الاستثمار، والتجارة في ليبيا.
تعبر جميلة عن طموحها لتوسيع نطاق عمل المشغل، قائلة: “نطمح إلى توسيع توزيع منتجاتنا ليس فقط في الجنوب ولكن أيضًا إلى الغرب والشرق، لخدمة كافة أرجاء ليبيا.
مشروع “Boost” لدعم رواد الأعمال
عمل الاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم لرواد الأعمال من خلال تزويدهم بالمهارات والأدوات والفرص التي تمكنهم من تحويل أفكارهم إلى مشروعات تجارية ناجحة.
في هذا السياق، أظهر مشروع “Boost” فعاليته من خلال تسهيل الوصول إلى المؤسسات الاقتصادية وتقديم الدعم للمشاريع الصغيرة والشركات الناشئة في مختلف المجالات كمشغل جميلة.
و اختتمت جميلة حديثها بالتعبيرعن سعادتها لكونها واحدة من النساء المستفيدات من المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي.
وأكدت أنها استفادت كثيرًا من هذه التجربة ولا زالت تحمل الأمل في مواصلة جهودها لتحقيق حلمها بافتتاح مصنع كبير.
وتطمح جميلة إلى إدارة هذا المصنع ودمج سيدات المنطقة فيه لتوفير فرص عمل أكبر، و منتجات محلية دعمًا للاقتصاد الوطني من أجل خلق سوق محلي يعتمد على الجودة والإبداع الليبي.