تحول مصنع زووم للحقائب المدرسية إلى صناعة الملابس الواقية المستخدمة في الحرب ضد جائحة الكورونا في وقت أغلقت فيه غالبية المصانع مستعينا ببرنامج البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة“و الممول من الإتحاد الأوروبي.
في الوقت الذي أغلقت فيه كافة المرافق في فلسطين عقب إعلان الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ في الخامس من آذار لمكافحة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، وفي الوقت الذي واجهت فيه الأراضي الفلسطينية شحا في المستلزمات الطبية اللازمة للحماية من الفيروس مثل الكمامات والقفازات والألبسة الواقية، تحول مصنع زووم للحقائب المدرسية، ومقره مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، إلى تصنيع اللباس الواقي المستخدم في الحرب ضد الفيروس، مما كان له أثرا كبيرا في مساعدة فلسطين على مواجهة جائحة الكورونا.
اللباس الواقي موضع الذكر هو تلك البزة التي ترتديها طواقم الرعاية الصحية العاملة مع المصابين بالفيروس، كما ترتديه طواقم الأمن والمتطوعين العاملين على فرض إجراءات السلامة العامة وتحديد الحركة، وعمال المصانع وغيرهم.
تعزو إدارة مصنع زووم، وهو مصنع متواضع للحقائب المدرسية والألعاب الإسفنجية لرياض الأطفال، قدرتها على التحول من تلك الصناعة، التي توقفت بشكل كامل أثناء حالة الطوارئ، إلى صناعة اللباس الواقي متعدد الاستعمالات، الذي تزايد الطلب عليه بشكل غير مسبوق في الأشهر الثلاثة الماضية، إلى نجاعة الاستشارات التي حصلت عليها والمهارات التي اكتسبتها من برنامج البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة” والممول من الإتحاد الأوروبي.
يقول السيد يوسف السخن، أحد الأشخاص المقربين من إدارة مصنع زووم، والذي تحدث لنا نيابة عنهم: “جاءت فكرة تصميم وإنتاج البزة الواقية متعددة الاستعمالات بينما كنا نشاهد على الشاشات الطواقم المتعاملة مع فيروس الكورونا متردية بزة بيضاء واقية في شتى أنحاء العالم إلا في فلسطين. علمنا أن السبب يعود إلى شح تلك البزة في بلادنا لأنها لم تكن موضع طلب في السابق. في المقابل، كنا نعرف أن القماش الموجود بحوزتنا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لتصنيع بزة من هذا النوع من حيث مقاومته للبكتيريا والميكروبات، وعدم نافذيته للسوائل، ومقاومته للحريق واللهب.”
يضيف السيد السخن: “قمنا بتصنيع عينة من البزة وعرضناها على أطباء فلم يصدقوا أنها من صنع محلي بسبب جودتها العالية، مما شجعنا على المضي بالإجراءات اللازمة للبدء بتسويقها مثل الحصول على شهادة الاعتماد من مؤسسة المواصفات الفلسطينية وإدراجها ضمن الشركات المؤهلة لتزويد السوق الفلسطينية بهذه البزة.” ويستطرد قائلا: “لقد قمنا بكل ذلك خلال خمسة أيام، واستأنفنا العمل بآلية عمل جديدة مع مراعاة إجراءات التباعد وغيرها من تعليمات الحد من انتشار الفيروس.”
وبالفعل، حصل مصنع زووم على آلاف الطلبات، وتمكن من تغطية كافة احتياجات السوق الفلسطينية من هذه البزة خلال وقت قياسي. “تمكنا من بيع حوالي عشرة آلاف قطعة خلال الشهرين الماضيين للقطاع الصحي والمراكز الصحية ولقوات الأمن ولجان الطوارئ في المحافظات.”
برنامج البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة“
أطلق برنامج “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة” في الضفة الغربية في شهر تموز من عام 2018 بتمويل من الإتحاد الأوروبي وتنفيد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
يهدف البرنامج إلى مساعدة القطاع الخاص على زيادة الإنتاج والعمالة عبر مساعدة المصالح التجارية الصغيرة والمتناهية في الصغر على النمو من خلال تقديم المشورة لها في مجال الأعمال بواسطة مستشارين محليين ودوليين. ولتحقيق هذا الهدف، يعمل البرنامج على توسيع قدرة المستشارين المحليين على تقديم المشورة للمصالح التجارية من جهة، ودعم تلك المصالح فيما تقوم بتنفيذ توصيات المستشارين وتبني استخدام أفضل الممارسات في شتى المجالات من جهة أخرى.
دعم البرنامج في الضفة الغربية 43 مشروعا في قطاعات صناعة الأغذية والمشروبات، وصناعة الإنشاءات والحجر والرخام، والصناعات الكيماوية والدوائية.
العمل مع الشركات الإستشارية المحلية
إحدى الشركات الإستشارية المحلية التي استفادت من برنامج البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة” كانت شركة سبارك للإستشارات (Spark Consulting) في نابلس. تعمل شركة سبارك، التي تأسست عام 2010، في مجالات التطوير المؤسساتي وأبحاث السوق وتكنولوجيا المعلومات.
بدأت شراكة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع شركة سبارك للإستشارات بهدف مساعدة المصالح التجارية الصغيرة في الضفة الغربية على الاستفادة من برنامج “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة” في أوائل العام 2019. عملت الشركة خلال العام الأول لهذه الشراكة مع خمس مصالح تجارية في الضفة الغربية على تطويرها المؤسساتي؛ أنهت الشركة العمل مع ثلاث منها ولا زال عملها جاريا مع اثنتين.
ولتمكين شركة سبارك من تقديم المساعدة ذات الأثر الأكبر للمصالح التجارية المستهدفة، عمل برنامج “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة” على تعزيز الخبرة العملية للشركة من خلال تدريبات منهجية نفذها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع خبراء من الشركة.
وفي هذا الصدد، أشار السيد مهند هيجاوي، مدير عام شركة سبارك، إلى أن أربعة خبراء من الشركة تلقوا خلال الفترة الماضية تدريبات في مجالات ذات صلة مثل استمرارية الأعمال والتجارة الالكترونية، وأضاف: “لم تتوقف الجلسات التدريبة للبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية حتى في خضم جائحة الكورونا، فقد تلقينا خلال شهر أبريل تدريبين عبر تطبيق زووم، كما سنتلقى تدريبا إضافيا خلال شهر أيار الحالي.”
أما دينا كونكر، مديرة برنامج “الخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة”، فتضيف أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يقدم للشركات الإستشارية المحلية سلسة من الدورات التدريبية بعنوان “نمِ عملك الإستشاري” تتناول مواضيع ذات أهمية للشركات الإستشارية والمصالح التجارية على حد سواء تشمل الاستراتيجية والتسويق وإدارة النوعية وتكنولوجيا المعلومات والحوسبة.
قصة مثابرة و نمو
مصنع زووم للحقائب في نابلس كان إحدى المصالح التجارية التي قدمت لها شركة سبارك المشورة. يعلل السيد هيجاوي سبب اختيار هذا المصنع كأحد المستفيدين من البرنامج بأن أصحاب المصنع تمتعوا بقدر عال من الحرفية في مجال الخياطة وصناعة الحقائب ولكنهم لم يمتلكوا مهارات إدارة الأعمال مما شكل عائقا أمام نموهم وأبقاهم في مصاف الورش الصغيرة. ويضيف هيجاوي: “ولذا عملنا مع مصنع زووم على تطوير النظام الإداري للشركة. بدأنا أولا بتحليل النظام الإداري للمصنع، ثم طورنا إجراءات تشغيلية لكافة المجريات الإدارية والفنية داخل المصنع مثل حساب التكلفة، وكيفية حساب كميات المواد الخام، وكيفية التحكم بنوعية المنتج النهائي.” ويستطرد: “أصبحت الأمور الإدارية أسهل وأوضح عند تطبيق هذه الإجراءات.”
أما السيدة كونكر فأضافت: “قام فريق البرنامج بزيارة المصنع وتقييم الاحتياجات والمساعدة في تحديد الأولويات ونطاق العمل، وعمل على التأكد من أن التدخلات الاستشارية كانت في نطاق الاحتياجات. هدف التدخل إلى التأكد من إدارة الجودة للحصول على شهادة الجودة العالمية أيزو 9001 (ISO 9001) لتحسين النوعية وتمكين المصنع من التصدير، وهذا ما أصبح المصنع جاهزا لتحقيقه.”
لقد أوصلت كل هذه التدخلات مصنع زووم إلى معيار من الجودة ساعد في تحوله لإنتاج البزة الواقية متعددة الاستعمالات وتغطية حاجة السوق الفلسطينية في وقت كانت بأمس الحاجة لها. لم يكتف المصنع بذلك، وإنما حصل على طلبات لتوريد البزة إلى إسرائيل ويفكر بتصديرها إلى خارج البلاد، كما حصل على طلبات لتوريد 100,000 سترة أحادية الاستعمال إلى إسرائيل أيضا.
إختتم السيد السخن حديثه ونبرة الحماسة بادية عليه: “لم تمكننا هذه الطلبات من الإبقاء على أبواب مصنعنا مفتوحا لثلاثين عاملا فقط، وإنما مكنتنا من تشغيل خمسة عشر مشغل خياطة صغير في مدينة نابلس والقرى المحيطة بواقع حوالي أربعة إلى خمسة عمال في كل مشغل في قص القماش وخياطته، وبالتالي نجحنا في منع انزلاق ما لا يقل عن مئة عائلة من العاملين في حقل الخياطة في مستنقع العوز والفاقة خلال هذه الجائحة.”
لقد كبر مصنع زووم بشكل لافت وفي وقت قياسي في وقت توقفت فيه معظم الصناعات بسبب المهارات التي اكتسبها أصحاب المصنع وموظفيه والإجراءات التي تم اتخاذها في المصنع تماشيا مع الاستشارات التي حصلوا عليها من برنامج البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية للخدمات الاستشارية للمؤسسات الصغيرة الممول من الاتحاد الأوروبي.