يدخل مشروع تكوين وتمكين في إطار برنامج الاتحاد الأوروبي للعمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة في الجزائر وقد ساهم في تعزيز شبكات النساء الحرفيّات والرّيفيّات. على امتداد سنتين، أمّنت الجمعيّة الوطنيّة للمرأة والاتصالات عبر خبيرات مشروع Res’ART (شبكة النّساء الحرفيّات في الفنّ الجزائري) مرافقة وتدريب حرفيّات في العديد من المناطق الجزائريّة. في وادي مزي الواقعة على سفح جبل العمور نجحت عضوات جمعيّة ” التّقاليد والحداثة لتنمية المرأة الرّيفيّة” في توظيف هذه الخبرة لتعزيز قدراتهنّ وإطلاق مبادرات جديدة.
في الاتحاد قوّة ولا شكّ في أنّ أميرة وتقيّة ومسعودة تمثّلن ثلاثتهنّ القوّة والعزيمة بعد أن أسّسن سنة 2018 في قرية وادي مزي الواقعة عند سفح جبل العمور في مرتفعات غرب الجزائر جمعيّة “التّقاليد والحداثة لتنمية المرأة الرّيفيّة”. منذ بضع سنوات جمعت الأقدار أميرة وتقيّة ومسعودة بينما لم يكن شيئ يجمع بينهنّ ومن لقائهنّ نشأت مبادرة جميلة بدأت اليوم تأتي أكلها.
أميرة بن عيّاد هي طبيبة مختصّة في أمراض الدّم. غادرت سنة 2015 مسقط راسها لتستقرّ في وادي مزي مع زوجها أرزقي الذي تمّ تعيينه حديثا للعمل في المنطقة. استرجعت أميرة معنا الذّكريات التي تحملها عن تلك الفترة: ” كانت فترة صعبة جدّا لأنّني فقدت فيها توأميّا تيزيري وسليانة فبعد أن كنت امرأة ناشطة أصبحت عاطلة عن العمل وفقدت كافّة معالمي. كانت فترة انتقالنا إلى وادي مزي متوتّرة وقد أحدث وجودي في القرية الكثير من الحرج لأنّني كنت المرأة الوحيدة غير المتحجّبة وكنت أتنقّل على درّاجة ناريّة”. لكن بفضل شخصيّتها الاجتماعيّة، سريعا ما ارتبطت أميرة بعلاقة صداقة مع مسعودة مباركي التي يعمل اخوتها مع أرزقي وكذلك مع تقيّة الزيّاني تلك المرأة المستقلّة التي خصّصت وقتها للعناية بأسرتها. من خلال صديقتيهاـ اكتشفت أميرة الظّروف المعيشيّة الصّعبة لسكّان تلك الجهة التي تشهد نسبة بطالة عالية وحيث عدد الشباب الذي يعيش الفشل الدّراسي مرتفع جدّا.
تقول مسعودة: ” سنة 2018، بينما كنّا نحتسي القهوة أدركنا ضرورة إطلاق مبادرة لفائدة نساء القرية لكي تتمكّنّ هنّ أيضا من إعالة أسرهنّ” وهكذا ظهرت فكرة إنشاء جمعيّة النّساء الرّيفيّات بوادي مزي. تحدّثت كلّ من أميرة وتقيّة ومسعودة عن مشروعهنّ مع رئيس البلديّة، محمّد عثماني ومع الكاتب العام للبلديّة، بلعبّاس عبّاسي الذين قرّرا مباشرة دعمهنّ.
فضاء للعيش
إثر بعث الجمعيّة بطريقة رسميّة كان لا بدّ من البحث عن مقرّ يحتضن جمعيّة التّقاليد والحداثة لتنمية المرأة الرّيفيّة وتمّ اختيار دار الشباب في القرية التي كانت تتطلّب بعض أشغال التهيئة قبل أن تستقرّ فيها الجمعيّة وتبعث صلبها ورشة صغيرة للخياطة. عرفت المبادرة نجاحا فوريّا وفي غضون بضعة أشهر أصبحت الجمعيّة تعدّ 180 عضوا وبعد ورشة الخياطة تمّ إطلاق ورشة الحياكة بفضل دعم من رئيس البلديّة الذي مكّن من اقتناء أربعة مناسج ذلك أن الزربيّة الصّوفيّة لجبل العمور تشكّل تراثا جهويّا حقيقيّا يتجاوز صيته الحدود الجزائريّة.
إثر ذلك تعدّدت المبادرات من صناعة السّلال التّقليديّة بمادّة الحلفاء إلى إنتاج الكسكسيّ والمربّى والربّ (دبس التّمر) والزّيوت الرّوحيّة المستخرجة من النّباتات الطبيّة في الجهة. وسريعا ما تحوّلت “دار النّساء” إلى فضاء للتّعاون والتّكافل ولكن أيضا إلى فضاء لتدريب النّساء والأطفال مع تهيئة قاعة لتنظيم دروس للدّعم المدرسي ودروس لمحو الأميّة.
ارتفاع درجة الوعي
شعرت الصّديقات الثلاث بفخر شديد بما أنجزنه وقرّرن المضيّ قدما في هذا العمل. سنة 2019 وبمناسبة معرض تمّ تنظيمه في الأغواط، التقت أميرة بن عيّاد بالرّائدة خديجة بداوي من الإدارة العامّة للغابات، الشريك المؤسّسي لبرنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة في الجزائر الذي يتمّ تنفيذه بالاشتراك بين الاتحاد الأوروبي والجزائر ، و قد أعلمتها حارسة الغابات خلال ذلك اللقاء بأنّ المسؤولة عن مشروع “تكوين و تمكين” كانت بصدد البحث عن ممثلة لجمعيّة للحرفيّات في منطقة الأغواط للمشاركة في رحلة دراسيّة في جنوب فرنسا و قد نشأ مشروع “تكوين وتمكين” عن الشّراكة بين الجمعية الجزائريّة للمرأة والاتّصالات وجمعيّة “ِCitoyens de la terre ” التي يوجد مقرّها في مرسيليا.
قالت لنا أميرة: ” بعد أن أعلمت مايا أزقاح، المسؤولة عن المشروع، بموافقتي قمت بتجديد جواز سفري واتّجهت نحو مرسيليا حيث كانت لي فرصة للّقاء بحرفيّات أطلقن مبادرات هامّة ونجحن في العيش من هوايتهنّ فأدركت أهميّة العمل داخل إطار منظّم للحصول على نتائج ملموسة”.
استعادة التّقاليد
تنقّلت فيما بعد منشّطات مشروع “تكوين وتمكين” إلى وادي مزي وهو مشروع يقوم على العمل الذي تنجزه منذ سنوات شبكة النّساء الحرفيّات في الفنّ الجزائري وتضطلع مايا أزقاح بدور مركزيّ صلبه فهي من ضمن المبادرات ببعث الشبكة وهي أمينة المال للجمعيّة الوطنيّة للمرأة والاتصالات. خلال لقائها بنساء القرية أكّدت لهنّ مايا أهميّة تمكين الحرفيّات وخاصّة منهنّ الحائكات: ” و في هذا الإطار تقوم جمعيّة التّقاليد و الحداثة لتنمية المرأة الرّيفيّة بعمل محوريّ لأنّ نساء الجهة تتقن نشاطا حرفيّا تقليديّا و تعملن على نحو مستقلّ بينما الأمر مختلف بالنّسبة إلى الحائكات لأنّ عملهنّ يتطلّب جهودا مضنية وخاصّة لأنّ المواد الأوليّة باهظة الثّمن حيث تصل كلفة الصّوف أحيانا إلى 70% من سعر الزربيّة ممّا قد يثبط من عزائمهنّ و يجعلهنّ تتوقّفن عن إنتاج الزرابي التّقليديّة فتتلاشى بذلك الحرف و التّقاليد”.
تمّ الاتّفاق على تنظيم أنشطة ترمي إلى تدريب النّساء على معالجة الصّوف وصباغته للزّيادة في أرباحهنّ من خلال استبعاد الوسطاء وإنتاج خيوط صوفيّة ذات جودة وملوّنة بأصباغ طبيعيّة والحفاظ على المعرفة التي تنتقل من جيل إلى جيل. أشرفت أمينة يوسف خوجة، مصمّمة الملابس التقليديّة ومدرّبة في التّقنيات الحرفيّة على دروس إعداد الصّوف وصباغته أمّا اليوم فتقيّة الزياني هي التي تؤمّن تدريب الحرفيّات بنفسها وقد قالت لنا في هذا الصّدد: ” كنّا نواجه صعوبات لتسويق زرابينا أمّا اليوم فنحن نقوم بإعداد الصّوف التي نجمعها مباشرة لدى المربّين المحلّيين وكان للتّدريب الذي تابعناه مع أمينة يوسف خوجة مفعول بالغ الأهميّة ونحن اليوم ندرك قيمة زرابينا”.
الانفتاح على العالم
سمح مشروع “تكوين وتمكين” كذلك لأعضاء “جمعيّة التّقاليد والحداثة لتنمية المرأة الرّيفيّة” في وادي مزي بلقاء العديد من الحرفيّات الجزائريّات بمناسبة العروض المنظّمة في تيميمون، جنوب غربيّ البلاد وفي الجزائر العاصمة وقالت لنا مسعودة مباركي وابتسامة عريضة تعلو محيّاها: ” كانت فرصة للتّرويج لمنتجاتنا وخاصّة لقريتنا التي لا يعرفها الكثير من النّاس”.
في الواقع، تسعى قرية وادي مزي إلى استقطاب السيّاح من داخل البلاد وخارجها وليس ذلك مجرّد حلم في القرية بل رسمته أهمّ ثلاث جمعيّات في القرية كهدف مشترك تعمل على تحقيقه مع الحرفيّات والسّلط المحليّة فمنطقة جبل العمور مشهورة لا فقط بزرابيها بل هي تزخر أيضا بتراث تاريخي قيّم يعدّ عشرات النّقوش الصخريّة ومن ضمنها لوحة كبش فجّة الخيل التي يمكن مشاهدتها على سفح منحدرات القعدة على بعد زهاء عشر كيلومترات من وادي مزي.
يعتبر محمد عثماني، رئيس بلديّة وادي مزي أنّ الأنشطة التي يمكن القيام بها في الجهة لا تحصى ولا تعدّ لكن يجب قبل ذلك توفير فضاء لاستقبال الزوّار: ” يمكن القول أنّ هذه المسألة قد تمّ الفراغ منها تقريبا بعد أن هيّئنا فندقا في مبنى قديم”. كما أشار رئيس البلديّة إلى أنّ إدارة الفندق ستتولّاها جمعيّات القرية لتتوفّر بذلك فرصة ثمينة للحرفيّات لتشاركن في تهيئة المكان وإضفاء طابع الجهة عليه كما ستتمكنّ من بيع منتجاتهنّ مباشرة إلى السيّاح. أضاف محمّد عثماني: ” سكّان وادي مزي مضيافين وسيكونون في غاية السّعادة باستقبال السيّاح من مختلف الجنسيّات”.