أحمد الزامل (36 سنة) هو سوري يعيش في مدينة إربد الاردنيّة وهو مهندس تحول إلى رائد أعمال. بفضل دعم مشروع التّعليم السّوري، حصل أحمد على درجة البكالوريوس في هندسة الطاقة من جامعة الزرقاء في الأردن وبعد التخرج وصل إلى خطّة مرموقة صلب شركة تعمل في مجال الطاقة الشمسية مما يبيّن درايته والتزامه تجاه قطاع الطاقة المتجددة. سنة 2022، قطع خطوة جريئة من خلال تأسيس شركته الخاصة في ذات المجال.
غريزة البقاء
سنة 2013، وإزاء الواقع المرير الذي فرضته الحرب في سوريا، اتخذ أحمد قرارا مصيريّا بمغادرة البلاد. هو أصيل مدينة درعا ومازال يتذكّر الزّمن الذي كان يعيش حياة طبيعيّة نسبيّا عندما كان يدرس الهندسة الكهربائية في دمشق. بيد أنّ القصف طال قريته مع تفاقم النزاع مما أجبر أحمد ووالديه على اللجوء إلى الأردن.
ترك أحمد مقاعد الدّراسة بينما لم تكن تفصله عن التخرّج سوى سنة جامعيّة واحدة ليواجه الواقع المرير للأحلام المحطمة. بعيدا عن الدّراسة التي تركها في دمشق، عاش في مخيم الزعتري للاجئين. كانت الحياة هناك تعني الأمان بعيدا عن عنف الحرب، لكنه فقد فرص التقدم التعليمي. يصف أحمد الوضع بقوله: “كانت ظروف الحياة في المخيم صعبة حيث لا تتوفّر للطّلبة ايّ فرص أو أفق واضحة”.
عقد أحمد العزم على رفع تلك التحدّيات وبدأ بتدريس الرياضيات والفيزياء في مدرسة محلية مع تقديم المطالب دون كلل أو ملل للحصول على منحة دراسية: “كنت أرغب في إنهاء دراستي لكنّني كنت أفتقر للتّمويلات الضروريّة للالتحاق بالجامعة، لذلك عملت كمدرّس للرياضيات والفيزياء في إحدى المدارس”
لم يستسلم وثابر في البحث عن الفرص التي من شأنها أن تفتح له المجال للحصول على شهادته الجامعيّة فبعد أن وُفّق في الدّخول إلى كلية هندسة مرموقة في سوريا والنّجاح في السّنوات الثلاث الأولى من الدّراسة لم تكن تفصله عن تحقيق حلمه سوى سنة جامعيّة واحدة.
قد تكون الحرب أرجأت بلوغ أحمد هدفه لكنّه رفض أن يتركها تحرمه منه تماما وأصبح يرى في كلّ فرصة، مهما كانت ضئيلة، طوق نجاة مصمّما الا يترك أيّ فرصة تذهب سدى فساعده عزمه على تجاوز أحلك الأوقات بينما كان يسعى لاستئناف مساره التّعليمي الذي تسبّب الصّراع في قطعه.
إطلاق العنان للصمود: الانتصار على الشدائد
في خضم المصاعب التي كان يكابدها داخل مخيم الزعتري، تغيرت حياة أحمد عندما حصل على منحة دراسية في إطار مشروع “دعم التعليم العالي للاجئين السوريين والشباب المستضعف ضمن المجتمعات المستضيفة ” (مشروع التّعليم السّوري) الذي تشرف على تنفيذه الجامعة الألمانية الأردنية بتمويل من الاتحاد الأوروبي عبر الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية- مدد، حيث تمكّن من استئناف دراسته في اختصاص الهندسة الكهربائية في جامعة الزرقاء.
بعد العودة إلى الدّراسة، أثبت مدى عزمه وتصميمه بترتيبه ضمن أفضل الطّلبة في فصله رغم كلّ الشّدائد والمصاعب. لم يكن مخيم الزعتري للاجئين مجهّزا بالكهرباء مما جعل أحمد يدرس على ضوء الشّموع ومع ذلك نجح لا فقط في إنهاء دراسته بل وأيضا في الحصول على شهادته بتفوّق. فتحت له شهادته الجامعيّة الأبواب في مجال الطّاقة المتجدّدة حيث وجد ضالّته ومثّل عمله في شركة للطاقة الشمسية بداية لتطوّرات عميقة في حياته. تدرّج أحمد في وظيفته بفضل تفانيه وخبرته إلى أن تمّ تعيينه في خطّة مدير عام.
لم تقف رحلة أحمد عند ذلك إذ أسّس سنة 2022 شركته الخاصة ممّا يدلّ على خبرته وبعد نظره في مجال الطاقة المتجددة. جلس أحمد في مكتبه الواقع في مدينة اربد شمال الأردن متأمّلا في رحلته الرّائعة التي أخذته من بلاد مزّقتها الحرب إلى قيادة مشروع ناجح وهو اليوم يريد أن يردّ الجميل لمجتمعه المحليّ من خلال توفير فرص للمهندسين العاطلين عن العمل.
يتجاوز التزام أحمد تجاه الطاقة المتجددة اختياراته المهنيّة لأنّه التزام متجذر في إيمانه العميق بالاستدامة وقد شرح لنا أحمد ذلك بقوله: “تتّجه جميع الأنظار حاليّا نحو الطاقة المتجددة ” وهو يعتبر أنّ التحوّل نحو الطاقة النظيفة ليس مجرد قرار نتّخذه في مجال الأعمال بل هو ضرورة لكوكبنا.
إدراكا منه لتداعيات ارتفاع أسعار الوقود والنضوب الحتمي للوقود الأحفوري، اختار أحمد أن يكون في طليعة حركة الطاقة المتجددة: “هي طاقة نظيفة لا تتسبّب في التلوّث. سينفد الوقود الأحفوري لا محالة. نحن نشهد ارتفاع أسعار الوقود وسيلجأُ الجميع إلى الطّاقات المتجدّدة”.
تدعو الرّسالة التي يوجّهها أحمد لجيل الشباب إلى العمل الجاد والمثابرة والتعلم المستمر: “النجاح يعني اكتشاف شيء جديد يوميّا وأن نتوخّى الابداع والتطوّر في عملنا ومن المهمّ الاّ يتخلّى الشباب عن أحلامهم”
يتطلع أحمد إلى مستقبل زاهر معتمدا كنبراس في ذلك الأمل وخاصّة الإصرار والعزيمة وهو يدرك جيّدا أنّه ليس فقط رائد أعمال بل نموذج يحتذى به والشهادة على ما يمكن أن نحقّقه من خلال الصّمود والتّعليم.
لا تقتصر قصّة أحمد على نقل نجاح شخصيّ بل هي أيضا سرديّة للصّمود والمثابرة والالتزام ببناء مستقبل مستدام.