GRBALISER هي شركة مختصّة في إنتاج الأسمدة السائلة عالية الجودة المصنوعة من النفايات العضوية و متاحة بأسعار معقول. تسعى هذه المؤسّسة الناشئة إلى أن تصبح قوة دافعة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في بريتال، تلك القرية الصّغيرة الواقعة في البقاع.
أكثر ما يثير الدهشة عند التحدث مع حنان إسماعيل لأول مرة هو قدرتها على التحول من مزاح خفيف حول وضعها إلى تفسير عاطفي وتقني للغاية لعمليات التخمير اللاهوائي الطبيعي التي تعتمدها شركتها ولا شكّ أنّ هذه الشابة التي تبلغ 32 سنة تجيد الكلمات ولككن ما تنضح به أكثر هو حبّها المعدي للحياة وميلها نحو التّغيير.
بين دعابة وأخرى، تذكّرت حنان كيف بدأت القصّة: “وجد الكثير من النّاس أنفسهم إزاء وقت فراغ مطوّل خلال جائحة كوفيد 19 لكن أنا وأختي زينب لم نمر بنفس الأوضاع ففور الإعلان عن الحجر الصحيّ بدأنا نجوب أرجاء البيت لنشغل أنفسنا”.
ذات يوم، تابعتا عبر الانترنت ندوة حول المشاكل التي تواجه المزارعات بسبب التلوّث في الزراعة والتّأثيرات السلبيّة للسّماد الكيميائيّ على الصحّة والمحاصيل والجانب المالي. قالت زينب في هذا الصّدد: “كنّا نعرف أنّ مستويات التلوّث في لبنان ارتفعت كثيرا حتّى قبل الثورة”.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 1.35 مليون شخص في لبنان من انعدام الأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن الزراعة توظف أكثر من نصف السكان، فمساهمتها في النّاتج المحلّي الإجمالي لا تتجاوز 5.5% وتتمّ تغطية حوالي 80% من احتياجات البلاد من الغذاء عن طريق التّوريد.
فكّرت الشّقيقتان حنان وزينب إسماعيل مليّا في هاتين المسألتين ووصلتا إلى حلّ يتمثّل في نظام لمعالجة المخلّفات العضويّة أو النّفايات الصّلبة وتحويلها إلى سماد خال من المواد الكيمائيّة وغير ملوّث باعتماد تكنولوجيا متقدّمة في مجال التّخمير.
قالت زينب، المتخرّجة في اختصاص الهندسة الكهربائيّة بينما أختها حاصلة على الماجستير في التّسويق: “رغم أنّ عائلتنا تعمل في المجال الزّراعي فأبي وعمّي لهما زراعات، لم نكن نعرف شيئا عن هذا الموضوع”.
أمّا حنان فقالت ضاحكة: ” نحن ننتمي أيضا إلى قرية صغيرة حيث لا تبعث النّساء عادة مشروعهنّ الخاصّ وإذا أردن التنقّل إلى المدينة المجاورة عليهنّ أن تطلبن الاذن من الأب أو الأخ فتصوّروا إذن الوضع عندما يتعلّق الأمر بتركيب آلات في المنزل لبعث مؤسّستنا النّاشئة!”.
رغم الشكوك التي خامرت اسرة الشقيقتين في البداية، لاحظوا الجهود التي تبذلانها في المشروع والدّعم الذي بدأتا تحصلان عليه بمناسبة الزّيارات الأسبوعيّة إلى البلديّة وقد أشارت حنان وزينب إلى أنّ ” التّغيير الحقيقي في موقفهم جاء عندما وجّهنا الدّعوة إلى المختار (شخصيّة من شخصيّات السّلطة المحليّة ويعتبر المسؤول الأوّل عن القرية) وإلى النّاس المهمّين في المنطقة للاطلاع على عملنا. عندها وجّهوا لنا التحيّة وتمنوّا لنا حظّا سعيدا وبدأوا يدعموننا”.
دخول محتشم إلى عالم ريادة الأعمال
انطلقت الشقيقتان بمبلغ زهيد لم يتجاوز 10 دولارات وأعدّتا فكرة على الورق المقوّى والبلاستيك إثر المحادثات التي قامتا بها مع مهنيّين في قطاع إدارة النّفايات والمطاعم وخبراء السّماد. أشارت زينب إلى رسم بياني أعدّته هي وحنان للتّقديم السّريع أما المستثمرين وقالت: ” استطعنا أن نمرّ بسرعة إلى المرحلتين 2 و3 وخصّصنا للمرحلتين تباعا 50 دولارا و250 دولارا”.
أعدّت الشقيقتان في كلّ مرحلة التّجهيزات بمساعدة الدّعم الموصول من جانب والديهما. بعد إنتاج الدّفعة الأولى، توجّهتا إلى مزرعة الجيران وطلبتا من صاحبها اختبار المنتج في حقله. عندما سألهما عن ثمن السّماد لم تصدّق الشقيقتان ما سمعتاه وهما اليوم تعرضان بكلّ فخر صور خالد، الزّبون الأوّل للمؤسّسة، وهو يقف وسط حقله الذي اختبر عليه السّماد الطّبيعي ليحصل على نتائج مذهلة.
أردفت حنان قائلة:” عندها فقط أدركنا أنّنا سنحتاج إلى المزيد من المساعدة فبعد أن توفّر لنا المصنع والفكرة مازلنا نحتاج إلى الكثير من المهارات لتحويل كلّ ذلك إلى مشروع كامل المعالم” وذكرت الدّعم الذي تلقّته من مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان. هو مبادرة مموّلة من الاتحاد الأوروبي تعمل على دعم رائدات الأعمال اللبنانيّات عن طريق توفير منح تتراوح قيمتها بين 15 الأف و50 ألف يورو وتستهدف 18 مؤسّسة من المؤسّسات الميكرويّة والصّغرى والمتوسّطة والمؤسّسات النّاشئة مثل Garbaliser لمساعدتها على تغطية الاستثمارات والنّفقات والمساعدة التقنيّة. تتولّى تنفيذ البرنامج مؤسّسة Expertise France عبر الحاضنة المحليّة Berytech.
تعتبر زينب أنّ ” مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان مكّننا من اتخاذ منعطف حقيقي فقد أثبتنا صحّة الفكرة التي توصّلنا إليها ودخلنا مرحلة النمو ثم مرحلة التّسويق وتواصلنا مع شركاء محتملين. ساعدنا المشروع أيضًا في تصميم منتجنا ليستجيب إلى احتياجات الزّبائن فجعلناه عديم الرائحة ومركّزًا للغاية في عبوة عالية الجودة”.
تمكّنت الشّقيقتان أيضا من اقتناء نظام يعمل بالطاقة الشمسيّة وبعض المعدّات الضروريّة لتوسيع نطاق المشروع.
التّأثير الاجتماعي أوّلا وبالذّات
للتّركيز على هدفهما الأسمى المتمثّل في مجتمعهما المحلّي، كانت الشّقيقتان تحتاجان إلى توسيع نطاق مشروعهما فإضافة إلى بيع المنتجات بأفضل سعر ممكن بالنّسبة إلى المزارعين تسعى حنان وزينب إلى إحداث تأثير اجتماعي واقتصاديّ وبيئيّ حقيقي داخل منطقتهما.
في هذا السياق، تقول حنان أنّ المؤسّسة تمنح تخفيضات للزّبائن عندما يرجعون القوارير الفارغة لحثّهم على تجنّب القائها في الطّبيعة إذ تناصر الشقيقتان لفائدة إعادة التّدوير ومنطقة خالية من النّفايات في غضون سنوات: ” تخيّلوا معنا عناوين الأخبار: بريتال تصبح أوّل منطقة خالية من النّفايات في لبنان!”.
سترجعت حنان نبرتها الجادة وهي تستحضر رؤيتها في مجال التّمكين:” نريد حقًا دعم الأشخاص من حولنا ومساعدتهم على بناء قدراتهم. من الصعب جدًا العثور على عمل هنا وإذا تمكنا من تزويدهم بمهارات قابلة للتسويق، يمكنهم النّفاذ إلى فرص أفضل، سواء كان ذلك معنا أو مع شركات أخرى”
تعتبر الشقيقتان انّ مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان يشكّل الخطوة الأولى في دائرة حميدة: ” إذا ما عرض أحدهم فكرة، أريد أن أكون قادرة على مساعدته ليتبيّن الطّريق الصّحيح لتحقيقها. حاضنة Berytech ومشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة المموّل من الاتّحاد الأوروبي اضطلعا بذلك الدّور تجاهنا ونحن بدورنا سنضطلع به تجاه غيرنا!”
في الختام قالت حنان ضاحكة: ” أتمنّى أن يشعر النّاس الآن بالفخر عندما يقولون: “نحن من قرية بريتال المبتكرة!”
المشروع
يهدف مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان إلى دعم المشاريع النسويّة في لبنان من خلال توفير منح تتراوح قيمتها بين 15 ألف و 50 ألف يورو لفائدة بين 8 و 20 مؤسّسة ميكرويّة و صغرى ومتوسّطة و مؤسّسات ناشئة لتوظيفها في توسيع الاستثمارات و تغطية النّفقات و الحصول على المساعدة التقنيّة. يدخل المشروع في البرنامج الإطاري EU4WE (الاتحاد الأوروبي من أجل تمكين المرأة).
البرنامج
أطلق الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2019 برنامج الاتحاد الأوروبي لفائدة تمكين المرأة (EU4WE) ليتواصل على امتداد 42 شهرا. تشرف على تنفيذ البرنامج مؤسّسة Expertise France وهو يهدف إلى دعم المساواة التّامة وغير المشروطة بين النّساء والرّجال في لبنان. يتمثّل الهدف الخصوصي لبرنامج EU4WE في الحدّ من نسق العنف القائم على النّوع الاجتماعي من خلال تمكين المرأة وتعزيز الآليّات المؤسّسيّة القائمة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسين.