في 8 و9 جويلية 2025، استضاف برنامج دعم الإعلام في تونس (PAMT 2)، المموّل من الاتحاد الأوروبي، فريق نيوز روم كونّكت تونس، مبادرة من شبكة Media Connect التابعة لبرنامج EU Neighbours South. جمع الهاكاثون التحريري صحفيين شبابًا وطلبة من معهد الصحافة وعلوم الأخبار لإنتاج محتويات متعددة الوسائط وبحث حلول بنّاءة للتحديات الإقليمية، في تجربة اتسمت بالتبادل والإبداع وعكست التزامًا بدعم جيل جديد من الإعلاميين وتعزيز صحافة مستقلة في تونس.

في أجواء حيوية وودية، احتضن مقر برنامج دعم الإعلام في تونس (PAMT 2) فعاليات نيوز روم كونّكت تونس 2025 ضمن أسبوع الإعلام. جاء هذا الهاكاثون التحريري ليجمع طلبة من معهد الصحافة وعلوم الأخبار مع مدرّبين وخبراء، بهدف خوض تجربة إنتاج محتوى متعدد الوسائط يسلّط الضوء على حلول بنّاءة للتحديات الإقليمية، في صيغة تفاعلية تعزز روح التعاون والإبداع. تصف ياسمين المستوري، إحدى المشاركات الشابات، تجربتها قائلة: “لم يكن مجرد حدث إعلامي بسيط، بل كان مساحة انفتاح حقيقية، حيث وجدت صوتي يُسمع وتبادلت الأفكار بحرية… كانت لحظات من الدعم والتشجيع مثلت وقودًا لي لأواصل المسير بشغف وإصرار.” شهادتها تعبّر عن جوهر التجربة التي منحت الشباب فرصة لاكتشاف قدراتهم، والانخراط في نقاشات تعكس إيمانًا مشتركًا بقيمة الإعلام المحلي ودوره في صناعة التغيير. ومثل هذه التجارب لا تقف عند حدود اللحظة، بل تجسّد الأثر الإنساني العميق الذي يحرص PAMT 2 على ترسيخه، وتمهّد لفهم أوسع لدور البرنامج في دعم الإعلام التونسي عبر برامجه التدريبية وتكويناته المتنوعة التي تهدف إلى تعزيز المهنية والاستقلالية وإرساء صحافة أكثر قربًا من المجتمع.

إعلام محلي يصنع الفارق بدعم أوروبي

مثّلت مشاركة إشراق الغربي، مديرة إذاعة الشمال أف أم بولاية باجة، في إحدى دورات برنامج دعم الإعلام في تونس (PAMT 2) المموّل من الاتحاد الأوروبي، محطة فارقة في مسيرتها المهنية. فالتجربة لم تقتصر على تزويدها بأدوات عملية لتطوير مهارات الإدارة، بل منحتها أيضًا ثقة متجددة في أن الإعلام المحلي قادر على إعادة تشكيل دوره والاضطلاع بمسؤولياته حتى خارج العاصمة. تقول إشراق: “لم تكن مجرد دورة تدريبية، بل كانت فرصة حقيقية لفهم أسس الإدارة، ورسم خطة تسويقية للإذاعة، وتحديد أهداف العمل، وقيادة فريق كامل باحترافية.”

قصة إشراق ليست استثناءً، بل تعكس نهجًا شاملًا يتبناه البرنامج في مواكبة الإعلاميين عبر مختلف جهات البلاد، من المؤسسات الراسخة إلى المبادرات الناشئة، ومن الصحفيين ذوي الخبرة إلى الوجوه الشابة. هذا التوجّه تجلّى أيضًا خلال استضافة البرنامج لفريق نيوز روم كونّكت تونس في هاكاثون تحريري نابض بالنقاش والطموحات، حيث التقت الطاقات الجديدة بالحماس والتجديد، في خطوة أخرى لترسيخ صحافة مستقلة، مهنية وقريبة من المجتمع.

PAMT 2: بوصلة في قلب الساحة الإعلامية 

انطلقت المرحلة الثانية من برنامج دعم الإعلام في تونس (Programme d’Appui aux Médias Tunisiens – PAMT 2) في مارس 2021 بدعم من الاتحاد الأوروبي، وتستمر إلى غاية مارس 2026، بميزانية تناهز 4.5 مليون يورو. يهدف البرنامج إلى تعزيز قدرات المؤسسات الإعلامية التونسية على إنتاج محتوى موثوق ومتنوّع، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. يُنفَّذ المشروع من قبل وكالة CFI الفرنسية، بالشراكة مع منظمات دولية من بينها Article 19، Deutsche Welle Akademie، وFrance Médias Monde. ويعمل برنامج PAMT 2 على ستة محاور رئيسية: تطوير التنظيم المهني، دعم الإعلام العمومي، تحسين إدارة المؤسسات الإعلامية، إنتاج مضامين مبتكرة، تسهيل النفاذ إلى المعلومة، وتعزيز الثقافة الإعلامية لدى الجمهور. من خلال ذلك، يسعى البرنامج إلى إرساء مشهد إعلامي مستقل، منفتح، وملتزم بمعايير الجودة.

التكوين المهني في صلب برنامج دعم الإعلام

استفادت فئات مهنية متعددة من التدريبات والتكوينات التي وفرها برنامجا PAMT 1 وPAMT 2، الممولان من قبل الاتحاد الأوروبي. فقد شكّل برنامج PAMT 1 (2017–2020) انطلاقة مهمة لدعم الإعلام التونسي، حيث نُظّمت 149 دورة تدريبية و210 نشاطات ميدانية، استفاد منها نحو 1,600 صحفي وصحفية من مختلف أنحاء البلاد. وقد ركّزت هذه المرحلة على تعزيز المهنية والاستقلالية والتغطية المسؤولة، وشكّلت نتائجها ركيزة أساسية لإطلاق المرحلة الثانية من البرنامج (PAMT 2). أما PAMT 2 (2021–2026)، فقد وسّع نطاق تدخله ليشمل فئات أوسع: الصحفيات والصحفيون في وسائل الإعلام العمومية والخاصة والجمعياتية، الناطقون الرسميون وموظفو الاتصال بالمؤسسات الحكومية، مديرو المؤسسات الإعلامية، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الإعلام. وتنوّعت محاور التكوينات لتشمل: سلامة الصحفيات أثناء الانتخابات، الصحافة الاقتصادية والاجتماعية، البودكاست، التحول الرقمي، التحقق من الأخبار، والاتصال العمومي. كما استفاد من البرنامج ما لا يقل عن 17 مسؤول اتصال من 14 وزارة، من خلال ورش متخصصة حول الإعلام المحمول والتواصل خلال الأزمات. وتعكس هذه الأنشطة التزام البرنامج بدعم مشهد إعلامي مستقل، مهني، وشامل، يواكب التحولات الديمقراطية والرقمية في تونس.

PAMT 2:  صفحة تُطوى أم فصل جديد يُكتب؟

في ورش PAMT 2، كان الصحفيون يدخلون محمّلين بالأسئلة والشكوك، لكن سرعان ما تحوّلت اللقاءات إلى مساحات انفتاح وتبادل وبناء. لم يكن البرنامج مجرد دعم تقني، بل تجربة إنسانية أتاحت للمشاركين إعادة التفكير في أدوارهم كصنّاع للتغيير داخل مجتمعاتهم. أجمل ما في التجربة أنها لم تكن مركزية؛ من الشمال إلى الجنوب، ومن الإذاعات المحلية إلى الصحافة الرقمية، كان الحضور متنوعًا والأثر ملموسًا. آمن PAMT 2 بأن للإعلام المحلي قيمة حقيقية، وبأن الاستثمار في قدرات الصحفيين هو استثمار في الديمقراطية وفي التوازن المجتمعي. 

اليوم، مع اقتراب سنة 2026، لا تبدو نهاية البرنامج خاتمة، بل بداية جديدة تطرح أسئلة مفتوحة: ماذا بعد؟ كيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم؟ وهل ستُفتح أبواب لنسخة ثالثة تواكب التحولات العميقة في المشهد الإعلامي وتواصل مرافقة الصحافة التونسية في مسارها نحو الاستقلالية والمهنية؟ قد لا تكون الإجابة واضحة بعد، لكن ما هو مؤكد أنّ ما زرعه PAMT 2 في قلوب وعقول المئات ممن يمتهنون الصحافة والاتصال، سيظل ينمو ويثمر، حتى بعد أن تُطوى الصفحة الأخيرة من نسخته الثانية.