تعيش ربى* (11 سنة) في شمال شرقيّ سوريا، وسط الخيام المترامية الأطراف في مخيم مكتظّ باللاجئين، أين تواجه عددا لا يحصى من المحن الجسدية والنفسيّة. تمّ تهجير ربى من محافظة الأنبار العراقية للعيش في مخيم وصل عدد المقيمين فيه في جوان/يونيو 2024، إلى 41 ألف نسمة، 93٪ منهم هم أطفال ونساء.
يمثّل المخيّم بالنّسبة للكثيرين نموذجا مصغرا لليأس بسبب النّقص الحاد لضروريّات الحياة مثل المياه النظيفة والمأوى اللائق والأنظمة التعليمية الآمنة إضافة إلى غياب الضّمانات الأساسيّة لحقوق الإنسان ممّا يؤثّر بعمق على الصحّة النفسيّة للاجئين المقيمين في تلك الظروف.
الرّحلة نحو الشفاء من الصّدمات والمعاناة التي يخلّفها التّهجير
تخلّلت رحلة ربى إلى مخيم اللاجئين العديد من الصّدمات وخلّف لها النّزاع الذي اقتلعها من منزلها ندوبا عميقة تتجلى في القلق الشديد الذي يغمر حياتها. تشهد رانيا*، المستشارة النفسية في مركز الرعاية الصحية التابع للجنة الإنقاذ الدولية، عن كثب الأضرار التي خلّفتها الحرب الأهلية المتواصلة لدى الأطفال مثل ربى وتقول في هذا الصّدد: ” أغلب الحالات التي أراها هي حالات حادّة. نحن نعالج مستويات عالية من الاكتئاب والقلق الناجم عن الصدمة الشديدة. وقد تسبّبت الصدمات أيضا في أمراض أخرى أعمق مثل الصرع والانفصام”.
أحضرت والدة ربى ابنتها إلى مركز لجنة الإنقاذ الدولية لمعالجتها من القلق الشديد الذي سيطر على حياتها. تقدم العيادة الصحية للجنة الإنقاذ الدوليّة، المدعومة من الاتحاد الأوروبي، خدمات الصحة النفسيّة الأساسية من خلال أشكال مختلفة من العلاج، بما في ذلك الأنشطة الفنية.
خلال واحدة من تلك الأنشطة الفنية، بدأت ربى تعبر أكثر عن ذاتها مع رانيا وزملائها مثل سامية، الاخصائيّة النفسيّة لدى لجنة الإنقاذ الدولية.
بعد العديد من الجلسات، نجحت ربى في الإفصاح عن بعض الحوادث المؤلمة التي عانت منها في المخيم. خلال إحدى الحصص الفنية، رسمت زهرة حمراء ترمز إلى كفاحها وإحساسها بالأمل مجدّدا.
شرحت ربى رسمها، ببراءة طفلة في سنّ الحادية عشر: “أحب اللون الأحمر لأنه يذكرني بالتفاح والفراولة والكرز”.
خدمات الصحّة النفسيّة: شريان حياة في خضم الأزمة
يصف الدكتور راتب*، المسؤول الصحي عن عيادات المخيّم التي تديرها لجنة الإنقاذ الدولية، الضغط الهائل الذي تشهده مواردهم: «يزورنا طبيب نفسي يومين فقط شهريّا ولدينا مستشار قارّ في الصحة العقلية وتؤمّن عيادتنا بين 100 إلى 150 استشارة يوميا، لكن الحاجة تتجاوز قدرتنا بكثير”.
رغم من هذه التحديات، تساهم لجنة الإنقاذ الدولية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، في إحداث تغيير حقيقي داخل المخيم بالاستجابة شيئا فشيئا للاحتياجات النفسية الماسة للسكان. ويكتسي الدعم الأوروبي أهميّة بالغة في الحفاظ على هذه الخدمات الحيوية وتوسيع نطاقها. يقول الدكتور راتب في هذا الصّدد: “لقد مكّنتنا الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من توفير شبكة أمان حيويّة لمن يعانون. بيد أنّ الضغط على مواردنا كبير جدّا، والدعم المتواصل أمر بالغ الأهمية”.
تحسّن حالة ربى هو الدّليل على أهميّة تلك الخدمات حيث تمّكنت ربى، بفضل الاستشارات والبيئة الملائمة التي توفّرها عيادة لجنة الإنقاذ الدولية، من تحويل خوفها وقلقها إلى مصدر تستمدّ منه قوّتها.
حدّثتنا ربى عن صحّتها وهي ترسم ابتسامة عريضة على محيّاها: ” أساعد أمّي في غسل الأطباق وتنظيف الخيمة ثمّ أنصرف للّعب مع أصدقائي”.
يعكس التحسّن الواضح لصحّتها النفسيّة التّأثير العميق للجهود المبذولة في المركز الصحّي وقد قالت لنا ربى أنّها أصبحت تفهم جيّدا أنّ المساعدة في أعمال المنزل من شأنه أن يحد ايضاّ من الضّغوطات التي تعيشها أمّها بدورها.
ربى تحلم اليوم بأن تصبح أخصّائيّة نفسيّة: “أنا معجبة بالآنسة رانيا لأنّها علّمتني وساعدتني”
* تمّ تغيير الأسماء حفاظا على الخصوصيّة.
تؤكد جهود التّعاون بين الاتحاد الأوروبي ولجنة الإنقاذ الدولية، المتواصلة منذ سنة 2003، على الالتزام المتين بتخفيف معاناة اللاجئين والمهجّرين. وكما تبيّنه قصّة ربى، لا يقتصر الدعم في مجال الصحة النفسية على الإغاثة الفورية بل يتعلّق بتعزيز القدرة على الصمود وخلق الأمل على المدى البعيد لفائدة جيل تضرّر بشدة من النزاع. |
هذه القصّة مقتبسة من النصّ الأصلي الذي نشرته لجنة الإنقاذ الدوليّة في جويلية/يوليو 2024