ترى النساء الناجيات من العنف النّور آخر النفق عبر مشروع “تحسين النّفاذ إلى خدمات الوقاية والحماية المراعية للنوع الاجتماعي لفائدة المجتمعات المحليّة الهشّة في الأردن” الذي تنفذه الوكالة الاسبانيّة للتّعاون الدّولي والتنمية بتمويل من الصّندوق الائتماني الإقليمي للاستجابة للأزمة السّوريّة “مدد” وهو جزء من الأنشطة التي يدعمها الصّندوق لفائدة السوريين و الفئات السكانيّة الهشّة في الأردن.
أهداف المشروع واضحة وهي تتمثّل في تعزيز النّفاذ إلى خدمات الوقاية والحماية المراعية للنّوع الاجتماعي. من المساعدة القانونية والطبية إلى الدعم النفسي، تسعى المبادرة إلى توفير شبكة شاملة من الموارد لفائدة النّاجيات. إضافة إلى الدعم المباشر، يستثمر المشروع أيضا في تعزيز قدرات الجهات الفاعلة الوطنية ومن خلال تمكين الهيئات المحلية والمركزية، يسعى المشروع إلى إنشاء إطار مستدام لتقديم خدمات الوقاية ضدّ العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له.
من ضمن المفاهيم المحوريّة للمشروع، نذكر مبادرة “البيوت الآمنة” التي تتمثّل في توفير منازل وملاجئ آمنة عبر الشريك المحلي للوكالة الاسبانيّة للتّعاون الدّولي والتنمية، “قرى الأطفال SOS ” في ثلاثة مواقع.
من الظّلمات إلى النور: رحلة س.ك مع البيوت الآمنة
س.ك هي إحدى النّاجيات الصّامدات التي اتخذت حياتها منعطفا حاسما بفضل مبادرة البيوت الآمنة. تبلغ س.ك 27 سنة وهي ليست أردنيّة. لجأت إلى قرى الأطفال SOS في الأردن مع أطفالها البالغين 8 و6 و5 سنوات إثر احالتهم من طرف مديرية الأمن العام – دائرة حماية الأسرة والأحداث. بعد أن كابدت العنف الأسريّ على امتداد تسع سنوات، جمعت شجاعتها وطلبت المساعدة. عند وصولها، ظهرت على س. ك. وعلى أطفالها علامات التوتّر النفسي، مما تطلّب إيواءهم فورا في بيت آمن داخل واحدة من قرى SOS . رغم أنّها حاولت لسنوات الهروب من العنف، واجهت س. ك. تحدّيات أخرى دون ايّ دعم من العائلة والأصدقاء في الأردن. انقطعت علاقتها بأسرتها لمدة 12 سنة وكانت معارفها محدودة فيما يتعلّق بحقوقها أو بالدّعم المتاح.
تقول س.ك في هذا الصّدد:”
“عندما وصلت إلى البيوت الآمنة لم أكن أدرك شيئا، كنت تائهة. لم أكن أميّز بين الصواب والخطأ. لم أكن أعرف كيف أتصرف أو أتعامل مع أطفالي. بعد الوقت الذي قضيته هنا، تغيرت علاقتي معهم. تعلمت كيف أكبح جماح غضبي وكيف أتصرف في المنزل وكيف أدير احتياجات الأسرة ونفقاتها”.
وممّا زاد في تعقيد وضعيّتها هو عدم إبرام زواج رسميّ بينها وبين شريكها ولم يكن أطفالها مسجّلين رسميّا ولم تكن لديهم شهادة ميلاد أو رقما للهويّة الوطنيّة فحرموا بالتّالي من النّفاذ إلى الخدمات مثل التّعليم أو تلقّي اللقاحات أو الرعاية الطبيّة.
بعد أن تأمّلت س. ك في مسارها التحويليّ مع البيوت الآمنة، لخّصت المفعول العميق للمبادرة على حياتها بقولها: “بدأت أطبخ بانتظام واستمتعت بذلك حقّا. لقد غيرت كل شيء في حياتي، الطريقة التي أتفاعل بها مع الناس والطريقة التي أدير بها حياتي الخاصة وطريقة شعوري نحو ذاتي. شكرا لقرية الأطفال SOS بالأردن التي منحتني كلّ شيء حتّى قبل أن أطلبه. شكرا جزيلا.”
الطريق نحو الشّفاء من خلال جهود فريق البيوت الآمنة
بعد تقييم حالة س. ك.، انطلق فريق البيوت الآمنة فورا في العمل مع دائرة حماية الأسرة والأحداث ودائرة الأحوال المدنية والجوازات ووزارة العدل ووزارة التربية والتعليم ونجح في تمكين س. ك وأطفالها من وضعيّة شرعيّة ليتمكّن الأطفال في نهاية المطاف من النّفاذ إلى الرعاية الطبية والالتحاق بالمدارس العموميّة. إلى جانب المساعدة القانونية، تلقت س. ك. وأطفالها الدعم النفسي من فريق SOS وبعد بضعة أسابيع من الجلسات مع مهنيّين مختصّين، استرجعت س.ك قواها واكتسبت المزيد من الثقة وبنصيحة من الفريق قبلت أن تشارك في دورة تدريبيّة حول التربية الإيجابية والرعاية النفسية.
تقول موندا، رئيسة مشروع البيوت الآمنة: “بينما كان الأطفال يستعدون ليومهم الأول في المدرسة، شاهدت بريقا في أعينهم أدركت من خلاله أنهم مُنحوا الفرصة للاستمتاع بحقهم الأساسي في التعليم”.
حكاية سلمى مع البيوت الآمنة: ولادة جديدة وتمكين واكتشاف للذّات
قصّة سلمى هي رواية قويّة أخرى تبيّن أنّ مبادرة البيوت الآمنة لم توفر لها المأوى فحسب بل أيضا فضاء للشفاء والتمكين.
تقول سلمى: “ولدت داخلي امرأة جديدة وتغيّر كلّ شيء داخلي وبدأت أمسك بزمام حياتي. تعلّمت الكثير وفهمت خاصّة الوضع الذي كنت أعيشه في السنوات الماضية وأدركت أنني أهم شيء بالنسبة لنفسي ولأطفالي. تعلمت كيف أواجه الشدائد ولا أستسلم. من أفضل الاحداث التي شهدتها هو لم شملي مع أطفالي، وهو ما حلمت به لفترة طويلة. لقد تحقق حلمي. كل شيء مختلف بحضورهم معي فهم أعادوني إلى الحياة. كان شهر رمضان هذه السّنة ممتعا لأننا قضّيناه معا. ولدايا سعيدان ويزدادان قوة يوما بعد يوم. أخيرا، أبنائي الثلاثة يعيشون معا وهي أكبر فرحة في حياتي.”
وأردفت سلمى قائلة: “ما تعلّمته من إقامتي في البيوت الآمنة هو أنّه لا ينبغي لايّ كان أن يقرّر مكاني. أنا من يمتلك حياتي وقراراتي. بدأت أوسّع نطاق تفكيري لأركّز على حياتي وأحدد أولوياتي. امتنعت عن الاستماع إلى الآراء السلبية وتعلمت التعامل مع الناس بطريقة ملائمة ومنظمة. تعلّمت خاصّة كيف أرسم الحدود بيني وبين الناس. باختصار، أنا الآن مسؤولة عن حياتي”.
قصة سلمى هي قصة ولادة جديدة وإعادة اكتشاف لذاتها وإدراكها أنها هي التي تقرّر مصيرها.