تمثّل فكرة تحويل بلد صحراوي قاحل بنسبة 90٪ إلى جنة خضراء هو حلم بعيد المنال بالنسبة للبعض وقد أرّقت هذه الفكرة سراج محمد بشية على مدى السنوات الخمس الماضية. أطلق رائد الأعمال الشاب (32 سنة)، أصيل مدينة طرابلس، مشروعه المبتكر في مجال الزراعة المائية سنة 2019 تحت اسم “Green Paradise”. تتمثل رؤيته في أنّ المزارعين الرّاغبين في اعتناق الابتكار والتغيير يمكنهم اعتماد الزراعة المائية لتحسين محاصيلهم. بدعم من الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين، ساعد سراج على بعث 9 مشاريع وتغطية الآلاف في جميع أنحاء المناطق الريفية في ليبيا متزعّما بذلك حركة إيجابية من أجل التغيير الزراعي المستدام.
الزّراعة المائيّة: توضيح الحلّ المستدام للزّراعة
انطلاقا من خلفيته في الاقتصاد الزراعي وإدارة الأعمال والزراعة المائية، بحث سراج محمد بشية عن طريقة للجمع بين خبرته وشغفه لرفع التحديات الملحة التي تواجه المزارعين في ليبيا.
في السنوات الأخيرة، عرف المزارعون الليبيون موجات حر قاتلة دمرت محاصيلهم، حيث وصلت درجات الحرارة إلى قرابة 50 درجة مئوية في صيف 2024.
شرح سراج أنّ ” فكرة Green Paradise تقوم على استخدام تقنية الزراعة المائية لمواجهة ندرة المياه وتدهور التربة” وأبرز الفوائد العديدة لهذا النظام الذي يستخدم طريقة الزراعة دون تربة التي يتمّ استبدالها بطبقة سفليّة خصبة ويتولّى المزارع ضبط كميّات المحاليل الغذائية. تقدم الزراعة المائية حلا فعالا يوفر ما يقارب 90٪ من كميّات المياه المستخدمة في الزّراعة التقليدية.
تستخدم شركة Green Paradise دورة مغلقة تعيد استخدام المياه وتساعد على إنتاج محاصيل عالية الجودة وخالية من المبيدات أي أنّها لا تكتفي بالحفاظ على البيئة بل تضمن أيضا صحة المستهلكين. يقول سراج في هذا الصّدد: ” تمكّن أنظمتنا المائية العمال الزراعيين من زراعة مجموعة موسّعة من المحاصيل على مدار السّنة وذلك من خلال التحكّم التام في الظروف المناخية. وبهذه الطريقة، تزداد الإنتاجية وتكون مستدامة ومستقرة وهو أمر بالغ الأهمية فيما يتعلّق بالأمن الغذائي.”
تمكّن الزراعة المائيّة النباتات من تلقّي الضوء والمغذيات والماء بطريقة محكمة دون التعرض للظروف الجوية القاسية. حيث أشار سراج إلى أنّ “هذه الطريقة تحدّ من اعتماد المزارعين على المياه الجوفية التي تزداد ندرة يوما بعد يوم مع استمرار تغير المناخ في التأثير على ليبيا”.
التوسّع خارج العاصمة: تمكين المزارعين والمجتمعات المحليّة الرّيفيّة
انطلقت أعمال شركة Green Paradise في طرابلس وشكّل توسّع الأنشطة في جنوب ليبيا اختيارا استراتيجيّا من جانب سراج: ” الوضع في جنوب ليبيا أكثر سوءا من العاصمة، مما يضع المزارعين في مواجهة تحديات جمّة. تأتي الزراعة المائية كحل طويل الأجل لهذه المشاكل التي، للأسف، لن تزول في القريب العاجل”.
نجحت الشركة في إنشاء 9 مشاريع للزّراعة المائيّة في مناطق ليبيّة مختلفة من بينها اوباري والعوينات وغات ووادي عتبة وهو توسّع نابع من التزام سراج تجاه تنمية بلاده ليبيا ” على نحو أكثر توازنا” حيث يتمّ خلق الفرص في الأسواق غير المستغلّة.
لكنّ حلّ الزّراعة المائيّة لم يُعتمد في الفراغ حيث أمّنت شركة Green Paradise برامج تدريبيّة لفائدة المزارعين المحلّيين لمدّهم بالمعارف والمهارات الضروريّة لاستخدام تلك التّكنولوجيا على نحو فعّال وقد قال لنا سراج في هذا الشّأن: ” نقدم الدعم التّقني المستمر والخدمات الاستشارية لضمان نجاح هذه المبادرات ونبني شراكات مع الجهات المحلية والمنظمات غير الحكومية لتعزيز التعاون وتحقيق تأثير أكبر”.
عمر سالم، مزارع من سبها جنوب ليبيا، وقف بكلّ فخر إلى جانب محاصيله الخضراء المورقة تحت خيمته. ليشرح لنا قائلا: ” لقد منحتنا شركة Green Paradise نحن المزارعين حلا مستداما وفعالا لتحسين إنتاجيتنا وزيادة دخلنا وبفضل هذه التّكنولوجيا، نحن على يقين من الحصول على دخل مستدام في نهاية الشهر على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار “.
عمر هو واحد من ضمن 500 مزارع تم تدريبهم على الزراعة المائية منذ سنة 2020. بالإضافة إلى ذلك، شملت شركة Green Paradise 1000 شخص من خلال برنامج ريادة الأعمال الزراعية.
في جنوب غرب ليبيا، يتذكر خالد إبراهيم كيف ساهمت مساعدة Green Paradise في استرجاع قواه مجدّدا بعد «أسوأ [موسم زراعي] في الذاكرة”. خلال موسم 2020-2021، أدى الجفاف المطول بسبب موجات الحر إلى فقدانه، مع العديد من المزارعين الآخرين من أوباري، حوالي نصف محاصيلهم.
يقول خالد ” أمّا اليوم فأستطيع بفضل الزراعة المائيّة أن أنتج محاصيل لم تكن تخطر ببالي بسبب الحرارة” مشيرا إلى الطّماطم والخيار والكوسا التي أصبحت مطلوبة ضمن المستهلكين بفضل حجمها وشكلها المتّسق وطعمها الجيّد.
يشعر سراج بطعم النّجاح، عندما يسمع شهادات مثل شهادة عمر وخالد ويتمنّى أن يشهد المزيد من الأمثلة لتأثير شركته على مستوى الأمن الغذائي وخلق فرص العمل والتنمية المستدامة: “أريد حقا أن أجعل من Green Paradise مبادرة مؤثرة تستطيع تحويل الزراعة في جميع مناطق ليبيا”.
الأيدي الممدودة: الاتحاد الأوروبي يدعم النموّ والابتكار
رغم التحديات، بما في ذلك الكلفة المرتفعة لبناء خيمة مائية، توفّر هذه التكنولوجيا الجديدة الأمل للقطاع الزراعي في ليبيا. وبدعم من الاتحاد الأوروبي، تتمتع مبادرات مثل مبادرة سراج بفرصة للازدهار وإلهام الآخرين.
وقد استفاد سراج نفسه من دعم الاتحاد الأوروبي من خلال برنامجين بتمويل أوروبي: مسرّع Boost It وروّاد المستقبل حيث مكّنه البرنامجان من تدريب شامل في ريادة وإدارة الأعمال عندما كان يستعد لإطلاق مبادرته Green Paradise، إلى جانب إرشادات الخبراء والدعم المالي: ” ساعدني التّمويل على التّسريع في نسق عمليّات البحث والتّطوير كما مكّنتني فرص التّشبيك من التّواصل مع روّاد أعمال آخرين ومؤسّسات ناشئة في مجالات متشابهة وهو ما خوّل لنا تبادل التّجارب والمعارف”.
الهام الجيل القادم من روّاد الأعمال
يقول سراج: “ريادة الأعمال الشبابية هي محرك قوي للتغيير والنمو الاقتصادي، خاصة باعتبار التحديات التي تواجه بلدنا. ويتمتع الشباب الليبي بقدرة هائلة على الابتكار والإبداع وعلى الرغم من الظروف الصعبة، فهم متحمّسون جدّا لتحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية”.
يحثّ سراج روّاد الأعمال الشبّان على الانخراط في الابتكار وعدم الهروب من المخاطر ” فكّروا دائما في الحلول المستدامة التي تزيد من تأثيركم الايجابيّ على المجتمع والبيئة لأنّ التحدّيات هي فرص للنّجاح والتّغيير”.
تحمل Green Paradise خططا مستقبليّة طموحة وتسعى إلى توسيع نطاق أنشطتها وتعزيز الاستدامة في المجال الزراعي ويقول سراج في هذا الصّدد: ” نهدف إلى زيادة عدد المزارع المائية في ليبيا والتوسع في دول شمال إفريقيا الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة. سنستثمر في البحث والتطوير لتحسين تقنيات الزراعة المائية وتطوير حلول جديدة تزيد من كفاءة الموارد”.
كما يخطط رائد الأعمال لتوسيع برامج تدريب الشركة لتشمل المزارعين والمجتمعات المحلية وإقامة شراكات مع المؤسسات التعليمية لتطوير مناهج متخصصة: “نريد التعاون مع الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة لتعزيز التعاون وتحقيق أهدافنا المشتركة” حيث يدرك سراج أن “استقطاب الاستثمارات لدعم النموّ والعمليّات هو المفتاح للوصول إلى المزيد من المزارعين”.
تابعوا Green Paradise على الخطّ:
فيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100057232428354