جوزفين: الانتفاض من تحت أنقاض الانفجار في بيروت

مايو 1, 2024
مشاركة في

شاركت اللبنانية جوزفين أبو عبده في تأسيس “محطة البلد” ردا على الانفجار الكارثي الذي شهده مرفأ بيروت سنة 2020. ترأست مع 4 أشخاص هذه المبادرة المجتمعيّة انطلاقا من محطة وقود مهجورة. بعد الكارثة، اجتمع عدد من المتطوعين لتقديم المساعدات العاجلة وللبرهنة من خلال ذلك على قوة المجتمع المحلّي عند الأزمات. قدموا الرعاية الطبية والمأوى والغذاء مبيّنين بذلك مدى قدرة العمل الجماعي على خلق الأمل والقدرة على الصمود.

تجميع القوى: إطلاق “محطة البلد” في خضمّ كارثة بيروت

جوزفين أبو عبده هي من سكان بيروت حيث وقفت على أنقاض مدينتها بعد الانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانيّة في شهر أوت/أغسطس 2020. لحقت منزلها الكثير من الأضرار ومازالت تشعر بثقل الدّمار في الهواء المحيط بها لكنّها لم تستسلم لليأس بل شعرت بالحاجة لجمع شتات مجتمعها المحليّ فدعت الجيران للقاء في إحدى الشّقق وحولت الألم الذي يشعر به الجميع إلى عمل.

تقول جوزفين: “أتى الانفجار على الأخضر واليابس وكان مجرد الجلوس في المنزل أو حتى تنظيفه يُشعرنا بأنّنا نحمل على أكتافنا عبئا كبيرا. إثرها، جمعنا سكان المبنى في شقة وناقشنا سبل مساعدة بعضنا البعض بدلا من القبوع في المنزل وعزل أنفسنا”.

خلال الأسبوعين الأولين، حوّلت المجموعة محطة قطار مهجورة إلى مركز للدّعم المجتمعي حيث وحّد السكّان مهاراتهم ومواردهم المتنوّعة لمساعدة مجتمعهم المحلّي الذي كان يكابد الويلات. وفّر أحد المزارعين الخضر وجلب آخرون الماء والمكونات لصنع خبز الصاج وبدأوا في توزيعه وسرعان ما التحق بهم أكثر من 100 متطوع جمعتهم الرّغبة في تقديم المساعدة بعيدا عن أيّ وازع سياسي أو ديني. وزّعوا معا الطعام ونظّفوا المنازل وساعدوا المحتاجين.

تقول جوزفين: ” كنّا في حاجة لصرف انتباهنا عن واقعنا المرير فقررنا المساعدة” ثمّ تحوّل ما بدأ في شكل استجابة علاجية إزاء المأساة إلى تأسيس كيان أكبر من ذلك بكثير أطلقوا عليه اسم “محطة البلد”.

من الأزمة إلى المجتمع المحلّي: تطور عمل محطة البلد

سرعان ما تطورت “محطة البلد” إلى مبادرة مواطنيّة تدعم المجتمع المحلّي المتضرر من الانفجار. بدأت هذه الحركة الشعبية كإجراء مؤقّت مباشرة إثر الانفجار واستجابة له بيد أنّها تطورت منذ ذلك الحين لتتحوّل إلى مشروع للتنمية المجتمعية يركّز على الاكتفاء الذاتي وعلى تحسين المهارات.

تقول جوزفين في هذا الشّأن: “نحن هنا منذ ثلاث سنوات لمساعدة المجتمع المحلّي وتمكينه” وقد تحول الاهتمام نحو سبل العيش المستدامة كما أطلقت المبادرة “مطبخا مجتمعيا” لا يكتفي بتوزيع الطّعام بل يخلق أيضا فرص العمل لفائدة السكان المحليين. إضافة إلى توفير الطعام، أصبح المطبخ حافزا للتغيير من خلال توفير فرص عمل لأفراد المجتمع المحلي وتمّ العمل على إعادة استثمار الأرباح صلب المجتمع المحلّي لضمان دورة دعم مستمرّة.

أصبحت “محطّة البلد” فضاء لعرض المواهب والمنتجات ولاستضافة العديد من الأحداث مثل أسواق المزارعين ونوادي السينما وتبيّنت جوزفين وفريقها من خلال ذلك الفضاء القوة التحويلية للطعام كوسيلة للتواصل والتّشبيك.

شرحت لنا جوزيف ذلك قائلة: ” في “محطّة البلد” كثيرا ما نستخدم الطعام كوسيلة للاتصال. إذا كنت ترغب في التواصل مع شخص ما، يمكنك أن تقدّم له شيئا يأكله لأنّه لا يمكن تحقيق التواصل والتفاعل على نحو فعّال سوى بعد تلبية الحاجة الأساسية للغذاء ممّا من شأنه أن يبني صلة حقيقيّة فيما بيننا.”

“يتنزّل الدّعم النّفسيّ أيضا في محور “محطة البلد” حيث يستطيع كلّ من يشعر بالحاجة إلى التحدث أو طلب الاستشارة أن يأتي إلى عيادتنا مجانا وعندما يريد الناس مشاركة التحدّيات التي تواجههم يجدون من يصغي إليهم “.

أشارت جوزفين إلى أنّه رغم الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، تمثّل “محطة البلد” شريان حياة مهم بالنّسبة إلى المجتمع المحلّي و “حتى بعد مرور ثلاث سنوات على الانفجار، لا يزال الناس يطلبون منا الطعام ممّا يدلّ على أن الحاجة إلى المساعدة لم تتراجع بل زاد نسقها “.

التّأثير المتزايد لمحطة البلد من خلال الدّعم الأوروبي

مع تنامي نطاق وطموحات “محطّة البلد”، أصبح الدعم الدولي أمرا بالغ الأهمية وقد تلقّت المبادرة الدعم من مشروع “تغيير النظام البيئي لريادة الأعمال الاجتماعية ” الذي تنفذه منظمة أوكسفام ويموله الاتحاد الأوروبي من خلال الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية – مدد.

يهدف مشروع “تغيير النظام البيئي لريادة الأعمال الاجتماعية” إلى تحسين الاقتصاد الاجتماعي في منطقتي البقاع وجبل لبنان. وقد مكن أفراد المجتمع المحلّي من المساهمة بنشاط في تحديد وتنفيذ ورصد الأثر الاجتماعي لنماذج المؤسّسات الاجتماعية الناشئة كما دعم المشروع المؤسسات والمنظمات الاجتماعية لتعزيز تأثيرها المحلي من حيث الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

من خلال الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية، يحتلّ الاتحاد الأوروبي صدارة الاستجابة الدولية للأزمة السورية بالمساعدة على تلبية الاحتياجات الحياتيّة لملايين اللاجئين السوريين والمجتمعات المحليّة المستضيفة لهم.

انخرطت جوزفين وفريقها في “محطّة البلد” في هذا العمل عبر مواءمة جهودهم الشعبية مع الأهداف الأوسع نطاقا لمشروع “تغيير النظام البيئي لريادة الأعمال الاجتماعية” وبفضل الدعم المنتظم، أصبحت المبادرة منارة لريادة الأعمال الاجتماعية وعززت التغيير الإيجابي في أعقاب المأساة.

لم تقتصر جوزفين أبو عبده وفريقها على إعادة إحياء مساحة حضرية عبر تحويل محطة بنزين إلى مطبخ يقدم المساعدة في شكل طعام وماء وتأمين سبل العيش والدعم، بل حوّلوا أيضا “محطة البلد” إلى فضاء آمن للعديد ممّن يكابدون المصاعب والصدمات النفسيّة حيث أصبحت ” محطّة البلد” إلى جانب وظائفها العمليّة رمزا لصمود المجتمع المحلّي وقوته.

اقرأ في: English Français
العلامات
المجتمع المدني