رائدات أعمال تقفن شامخات في وجه ويلات لبنان

أكتوبر 27, 2023
مشاركة في

تنتمي يسر صبرة إلى مجموعة تضمّ 18 رائدة أعمال لبنانيّة توظّفن فرص برنامج للتّمكين الاقتصادي لمواصلة الابتكار والتّجديد في خضمّ الأزمة اللبنانيّة. بفضل المنح التي حصلت عليها من البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية ودعم مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان المموّل من الاتحاد الأوروبي يواصل مشروعها “وكلني” للّوجستيات والخدمات طريقه نحو الازدهار.

waklini

منذ بداية الأزمة الوطنية قبل قرابة أربع سنوات، كانت يسر صبرة تشعر بالقلق “طوال الوقت”. “بعد جائحة كوفيد-19، والانفجار والزلزال، كنتُ دائمًا على أهبة الاستعداد وأتساءل عمّا سيحدث لاحقا”.

ومن سيلومها على ذلك؟ وفقا للبنك الدولي، تعتبر الأزمة الاقتصادية في لبنان “واحدة من أشد الأزمات الثلاثة عبر العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”. فبعد 25 سنة من تصنيف لبنان ضمن اقتصادات الدّخل المتوسط الأعلى، تراجع التّصنيف بشكل كبير لتصبح البلاد سنة 2022 من ضمن دول الدّخل المتوسّط المنخفض.

ومع ذلك مازالت تلك الأمّ الشّابة والمجتهدة التي تحمل اسما يعني ” انجاز الأشياء بسهولة” تحافظ على ابتسامتها المشرقة وعلى طاقتها الفيّاضة وتتنقّل من مكان إلى آخر لتتفقّد موظّفيها الذين يبلغ عددهم 190 فردا في مختلف وحدات التّوزيع لشركة وكلني.

وصفة بسيطة: تحويل فجوات السّوق إلى فرص أعمال
أسّست يسر شركتها منذ عشر سنوات عندما كان الاقتصاد اللبناني في يعيش فترات ازدهاره: ” لاحظت فراغا كبيرا داخل السّوق فيما يتعلّق بالخدمات التقنيّة مثل خدمات التّسليم والمساعدة الشخصيّة”.

“بدأنا العمل مع الأجانب المقيمين في لبنان الذين عادة ما يحتاجون إلى من يرعى مكان إقامتهم في غيابهم أو اللبنانيّين الذين يريدون من يقضي شؤونهم الإداريّة في مكانهم ثمّ سريعا ما انتقلنا إلى قطاع التّجارة الالكترونيّة التي كانت تشهد نموّا سريعا ضمن المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة”.

عندما استقرّ نسق السّوق كانت شركة وكلني قد اكتسبت بعد ميزة كبرى مقارنة بمنافسيها ألا وهي الثقة. تستذكر يسر تلك الفترة قائلة: ” كان زبائننا وموظّفونا قد اطّلعوا بعد على طريقة عملنا ومدى تفانينا في الحفاظ على الجانب الإنساني للخدمة. نحن نولي عناية بالمهارات اللينة وبالقيم أكثر من الشّهادات الجامعيّة ومن الرّوابط. والموارد البشرية ليست مجرد وظيفة دعم بالنّسبة لنا بل هي محرّك لنشاط الشركة”.

تفتخر رائدة الأعمال بكون 40% من المناصب الإدارية في شركة وكلني يشغلها موظفون ارتقوا السّلم الوظيفي تدريجيًا مثل أحد السوّاق الذي تدرّج ليصل إلى خطّة مدير العمليات.

انطلاقا من قيمها ومبادئها، حرصت شركة وكلني على وضع خدماتها على ذمّة الشّعب اللبناني عندما انطلقت الثورة سنة 2019 ” أمّنا التّسليم في مواقع المظاهرات وخدمات التسلّم وتخزين الأمتعة وجميع الخدمات تقريبا التي كنّا نقدّمها من قبل لكن لصالح المجتمع المحلّي”.

وأردفت يسر قائلة: ” لقد توقّفت البلاد عن الحركة تماما لذلك كنا في الواقع نقدّم ما فشلت البنية التحتية المحلية في توفيره وبذلك ساهمنا بدورنا في الثورة”.

اكتسبت بذلك تلك الشركة الصّغرى شعبيّة واعترافا من طرف السكّان ممّا حثّ غيرها من شركات التّسليم المحليّة على أن تحذو حذوها.

waklini

القدرة على الصّمود: الوقوف في وجه الصّعاب

رغم نجاحها شعبيّا واجهت الشركة بعض المصاعب الماليّة خاصّة أنّ وكلني كما تصفها يسر ” ليست بالمؤسّسة النّاشئة النمطيّة ولم نكن نستجيب إلى النّموذج المعياري الذي يستهوي المستثمرين”.
لذلك قرّر الفريق أن يعوّل على أكثر جانب كان يعرفه الا وهو المجتمع المحلّي فأطلقوا وهم مفعمون بالأمل حملة للتّمويل الجماعي اعتمدوا فيها على شريط فيديو لطلب التبرّعات. تقول يسر بشأن تلك الحملة: “كنت أفكّر حقّا في ال130 أسرة التي تعيش من الدّخل الشهري لموظّفي و عمّال الشركة. كّنا نأمل في الحصول على 50 ألف دولار فحصلنا على 5 “.

الجانب المشرق لهذه التجربة هو أنّ شريط الفيديو لفت أنظار اثنين من المستثمرين الملائكة، اللذين ضخا 650 ألف دولار في الشركة لتطفو مجدّدا إلى السّطح لكنّها لم تكن تدرك أبدا أنّ المصاعب مازالت تحدّق بها في شكل جائحة كوفيد 19 التي تلاها بسرعة انفجار بيروت.

استذكرت يسر ذلك اليوم لتقول لنا:” يوجد مقرّنا الرّئيسي قرب الميناء وقد جاء الانفجار على نصف مكاتبنا. في ذلك اليوم فقدت كل الأمل ولم أجد حتّى القوّة لأخرج من فراشي”. لكنّ العلاقات الانسانيّة التي تعتزّ بها كثيرا ساعدتها على الوقوف مجدّدا بينما بدأ فريقها شيئا فشيئا في جمع الأنقاض وبناء الرّفوف وسريعا ما عادت وكلني إلى سالف نشاطها.

ذلك ما حثّها على إطلاق ” صندوق الجهد الإضافي” وهي منظومة تبرّعات تستخدم نسبة طفيفة من كلّ عمليّة تسليم لدعم أفراد مجتمع وكلني. من خلال تمكينهم من النّفاذ المجاني للخدمات التي يحتاجونها مثل البروز على الخطّ والتّسويق والاستشارة القانونيّة، تسعى وكلني إلى مدّ يد المساعدة لهؤلاء النّاس لإطلاق مشاريعهم من جديد في خضمّ الازمة التي طال أمدها.

شرحت لنا ابتسام ذلك التمشّي بقولها: “استلهمت في ذلك من تجاربي مع برامج مثل مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان المموّل من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتّنمية اللذان قدّما لي الدّعم عندما كنت في أمسّ الحاجة لذلك”

waklini

‘لا يحتاج النّجاح سوى لشيء من الدّعم’

حدّثتنا زينة عودي، المديرة المساعدة للمشروع لدى البرنامج الإطاري EU4WE بأنّ مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان انطلق في فجر الثّورة و بالتّحديد خلال شهر أكتوبر 2019 بهدف دعم المشاريع النسويّة من خلال توفير منح تتراوح قيمتها بين 15 ألف و 50 ألف يورو

قالت زينة: ” استهدفنا 12 مؤسّسة ميكرويّة وصغرى ومتوسّطة و 6 مؤسّسات ناشئة برهنت على قدرتها على النموّ و الازدهار لكنّها مازالت تحتاج إلى دفع للتوسّع أو التّصدير أو الظّهور على الخطّ”.

تشرف مؤسّسة Expertise France على تنفيذ المشروع من خلال الحاضنة المحليّة Berytech وهو مشروع يغطّي الاستثمارات والنّفقات والمساعدة التقنيّة لفائدة المؤسّسات ال18 المعنيّة.

أكّدت لنا يسر أنّ المبلغ الذي تلقّته من مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان (40 ألف يورو) مثّل أكثر منحة مفيدة تلقّتها شركتها إذ لم يساهم ذلك المبلغ في جعل الشركة تسترجع أنفاسها فحسب بل دفعها لتصل إلى مستوى جديد لم تكن لتصله لولا تلك المساعدة.

فبفضل تلك المنحة، بدأ الفريق في تركيب ألواح شمسيّة في المقرّ الرّئيسي للشركة في طرابلس لمواجهة الأزمة الطّاقيّة المستمرّة في لبنان والارتفاع المحموم لأسعار الغاز ثمّ أعدّ الفريق موقعا تجاريّا على الخطّ لتأمين ربط سلس بين الشركات والزّبائن. وأخيرًا، تولّى أفراد الفريق صياغة دليل لعقود التّراخيص لاعتمادها كنقطة انطلاق لعمليّات التّصدير نحو مصر والعراق.

“لقد اكتسبنا الكثير من هذا البرنامج حتّى أنّني أعجز عن وجود الكلمات للتّعبير عن تلك المكاسب فعلى سبيل المثال، كنّا مطالبين بإعداد تقارير دقيقة جدّا ولم نفهم في البداية سبب ذلك لكننا الآن نوظّف ذلك كنقطة قوّة في عروضنا للمستثمرين”.

تصرّ يسر على أنّ البرامج مثل برنامج EU4WE هي التي تمكّن المؤسّسات الصّغرى التي تشكّل القلب النّابض للمدينة و الاقتصاد من مواصلة عملها كما ذكّرت بأنّ الرّوابط و العلاقات مع روّاد الأعمال الآخرين تشكّل عنصرا محوريّا في تحقيق التقدّم حيث تعمل حاليّا على حشد أصحاب المؤسّسات مثلها للضّغط على الحكومة من أجل تنظيم أفضل لمجال و أنشطة التّسليم التي تعاني حاليّا من البنية التحتيّة المهترئة و غياب التأمينات الملائمة و حفظ حقوق العمّال.
في النّهاية قالت يسر: ” رغم التحدّيات والمصاعب، سنكون دائما سندا لبعضنا البعض للدّفع نحو تحسين الأوضاع!”

المشروع

يهدف مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان إلى دعم المشاريع النسويّة في لبنان من خلال توفير منح تتراوح قيمتها بين 15 ألف و 50 ألف يورو لفائدة بين 8 و 20 مؤسّسة ميكرويّة و صغرى ومتوسّطة و مؤسّسات ناشئة لتوظيفها في توسيع الاستثمارات و تغطية النّفقات و الحصول على المساعدة التقنيّة. يدخل المشروع في البرنامج الإطاري EU4WE (الاتحاد الأوروبي من أجل تمكين المرأة)

البرنامج
يدخل مشروع التّمكين الاقتصادي للمرأة في لبنان (WEEL) في إطار برنامج أوسع يمتدّ على 42 شهرا بعنوان الاتحاد الأوروبي لفائدة تمكين المرأة (EU4WE) يموّله الاتحاد الأوروبي وتشرف على تنفيذه مؤسّسة Expertise France. يهدف البرنامج إلى دعم المساواة التّامة وغير المشروطة بين النّساء والرّجال في لبنان. يتمثّل الهدف الخصوصي لبرنامج EU4WE في الحدّ من نسق العنف القائم على النّوع الاجتماعي من خلال تمكين المرأة وتعزيز الآليّات المؤسّسيّة القائمة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسين.

اقرأ في: English Français