قوت ليبيا: إحداث ثورة في مجال الزّراعة من خلال التّقنيات المبتكرة

أغسطس 28, 2023
مشاركة في

قوت ليبيا هي مزرعة محليّة يدعمها البرنامجان الأوروبيّان #EyesonBlue وسويتش ميد. بعثت المشروع، سنة 2021، الشّقيقتان الليبيّتان فاطمة وسلسبيل أبو زيد لتصبح المزرعة اليوم مثالا يبيّن كيف يمكن للابتكار والممارسات المستدامة أن تغير المشهد الزراعي في مواجهة تغير المناخ والاضطرابات الاقتصادية.
من خلال تقنيات الزراعة العمودية، يعمل المشروع على حسن استخدام المساحة والحفاظ على الموارد المائيّة والحدّ من انبعاثات الكربون. كما أنّ باعثتا المشروع ملتزمتين بنشر الوعي بالزراعة المستدامة والعمل من أجل تغيير العقليّات في ليبيا لاعتماد الممارسات الصديقة للبيئة.

إنتاج المزيد بموارد أقلّ: منافع الزّراعة العموديّة

يكمن العنصر الأساسي لنجاح قوت ليبيا في اعتماده مقاربة الزّراعة العموديّة حيث تسعى المزرعة إلى إحداث ثورة في المجال الزراعي من خلال انتاج مواد عضويّة وطازجة على نحو مستدام وسليم اقتصاديّا فهي تستخدم مساحات محدودة وتقنيات خالية من المواد الكيميائيّة للزّيادة في كميّات المواد الغذائيّة دون استخدام الطّرق التّقليديّة القائمة على التربة.
في هذا الصّدد تقول فاطمة التي أطلقت المشروع وهي لم تتجاوز سنّ الواحدة والعشرين:” بفضل هذه التّقنية، لا نحتاج سوى إلى 90 مترا مربّعا لإنتاج أكثر من 400 كيلوغراما في غضون 25 يوما. إضافة إلى ضمان محصول هامّ، تحدّ هذه التّقنية من بصمتنا الكربونيّة لأنّ الزّراعة تتمّ داخل الدّفيئة دون مبيدات أو مضخة أو أي جهاز آخر تنبعث منه الغازات الضارة”.

توصّلت الشقيقتان من خلال تلك التّقنية المبتكرة إلى مواجهة العديد من المشاكل المرتبطة بالإنتاج الزراعي في ليبيا حيث تشهد البلاد، في خضمّ تغير المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي، انخفاض الإنتاج الزراعي وندرة الأراضي الصالحة للزراعة. كما تواجه ليبيا ندرة متزايدة في المياه، مما يزيد من تفاقم الأزمة الزراعيةّ.
وسط هذه الصعوبات، تبرز مزرعة قوت ليبيا المحلية كمنارة للأمل وتشرح فاطمة ذلك بقولها:” تعتمد دورتنا الزراعية بأكملها على إعادة استخدام المياه في حلقة مغلقة ممّا يسمح بعدم إهدار المياه أو فقدها تحت مفعول التبخّر إذ نستطيع باستخدام 3000 لترا فقط تأمين الريّ على امتداد دورة إنتاج كاملة تستغرق 25 يومًا”.
ذكرت فاطمة أيضا أنّ تلك التّقنية تسمح بالحدّ من استخدام المياه بنسبة عالية جدّا تبلغ 97% مقارنة بالممارسات الزراعيّة التّقليديّة وكذلك الحدّ بنسبة كبيرة من الحاجة إلى الكهرباء لأنّ المشروع يعتمد أساسا على أشعّة الشّمس.

لكلّ هذه الأسباب، وبفضل إمكانات المشروع في مجال الإدارة المستدامة للمياه استرعى اهتمام المسابقة الاوروبيّة #EyesonBlue في مجال الاقتصاد الأزرق.


كسر الحواجز وإلهام التّغيير

إثر نجاح النّسخة الأولى من مسابقة #Eyesongreen (2021)، أطلق برنامج الجوار الأوروبي جنوب مسابقة #EyesOnBlue في جوان/يونيو 2022 بالشراكة مع الإدارة العامّة للجوار و مفاوضات التوسّع لدى المفوضيّة الأوروبيّة وبرنامج سويتش ميد.

يشمل أهمّ عنصر من الحملة مسابقة تهدف إلى انتقاء ثلاثة من أفضل روّاد الأعمال الزّرقاء الذين تعالج مشاريعهم مسألة المياه أو الاقتصاد الأزرق في 8 من بلدان منطقة جنوب المتوسّط وقد بيّنت المسابقة شركات وأفراد مبتكرين مع ابراز الحاجة الملحّة لمعالجة القضايا المتّصلة بالمياه وتشجيع المؤسّسات النّاشئة والمشاريع في المنطقة على استكشاف حلول مستجدّة في هذا المجال.

تحصّلت المقاربة المبتكرة والمستدامة التي تعتمدها مزرعة قوت ليبيا على جائزة التنويه الخاصّ من لجنة التّحكيم حيث قالت مايا كركور، عضو لجنة التحكيم في مسابقة #EyesonBlue و الاخصائيّة في الاقتصاد البيئي و الدّائري :” كان من البديهي أن نمنحهم هذه الجائزة لأسباب عديدة. أوّلا، لأنّهما رائدتا أعمال من ليبيا، التي تطغى فيها الثقافة الذكوريّة وتعاني أيضا من مشاكل متعدّدة ممّا يجعل من الصّعب على المرأة أن تبعث مشروعها الخاصّ وأن تشرف على إدارته بينما فاطمة وسلسبيل نجحتا في ذلك بامتياز. كما تميّزتا بعقليّتهما المبتكرة والعصريّة والاعتماد على التّكنولوجيا وهو الجانب الذي بدا لنا مختلفا عن المشاريع الكلاسيكيّة. الزراعة العمودية تقنية مبتكرة خاصة في ليبيا، نجحت الشقيقتان في ممارستها ونجحتا في تكوين قاعدة من الزبائن وفي تطويرها”.

كانت مايا كركور ضمن أعضاء لجنة التّحكيم التي شملت سبعة من خبراء الاقتصاد الأزرق تولّوا اختيار سبعة مشاريع لتمرّ إلى الأدوار النهائيّة بناء على مجموعة مضبوطة من المعايير من بينها التّأثير البيئي والاجتماعي والاقتصادي للمشاريع والاستدامة في إطار الاقتصاد الدّائري. تلقّت المسابقة 73 ترشّحا وسجّلت تصويتا مكثّفا من جانب الجمهور تجاوز 4075 صوتا.

حدّثتنا فاطمة بكلّ حماس عن تجربتها في المسابقة:” كانت تجربة خارقة للعادة تعلّمنا منها الكثير” وأشارت إلى أنّ المسابقة مكّنتهما من توسيع نطاق شبكتهما والحصول على الاستشارة ووجهة نظر الخبراء والشركات المبتكرة. “اعتقد أنّ لجنة التّحكيم أدركت أنّ الزّراعة والحفاظ على البيئة هو حقّا شغفنا وأنّنا نريد إحداث تأثير مستدام في قطاع الزّراعة وأن نلهم في ذات الوقت غيرنا للتّفكير في حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل”.


نشر الوعي بالزّراعة المستدامة

في سنّ الثالثة والعشرين، قطعت فاطمة خطوات كبرى في عالم الزّراعة الصّديقة للبيئة وأخذت، بصحبة شقيقتها، قوت ليبيا في مهمّة واسعة النّطاق لدفع الزّراعة المستدامة والتّنمية وأكّدت في هذا الشّأن على أنّ المشاكل المائيّة والبيئيّة لن تتحسّن بمرور الوقت وهي تشكّل خطرا محدقا. لذلك، نحن في حاجة لتثقيف النّاس بشأن المشاكل المتعلّقة بتغيّر المناخ وتأثيره الخطير على البيئة وعلى صحّتنا.

تعمل الشقيقتان على رفع وعي الزّبائن بأهميّة تقنيات الإنتاج الأخضر الخالي من النّفايات وتشجّعان الأفراد والمشاريع الأخرى على اعتماد ممارسات تحد من الأضرار التي تصيب البيئة وصحّة البشر:” نسعى من خلال جهودنا إلى خلق زخم حولنا من شأنه أن يفضي بنا جميعا إلى مجتمع أكثر وعيا ومسؤوليّة في مجال البيئة”.

لا يوجد دليل أفضل من نجاح قوت ليبيا على استعداد النّاس ورغبتهم في تغيير عاداتهم الاستهلاكيّة: ” آخر مرّة انتجنا فيها الفراولة، نفذ المنتوج في يومين لأنّه نال إعجابهم و مازالوا يطلبون منّا متى ستتوفّر الفراولة من جديد”.
تفكّر فاطمة وسلسبيل في توسيع نشاطهما مستقبلا لتصبح مزرعة قوت ليبيا أكبر مبادرة لإنتاج الأغذية الصّديقة للبيئة في ليبيا مع توفير فرص العمل للشباب لتتبوّأ بذلك منزلة الرّيادة الوطنيّة في مجال المشاريع التي لا تلحق أضرارا بالبيئة.

بفضل الدّعم الأوروبي المتواصل من خلال منصّة TheSwitchers.org تعتزم الشقيقتان مواصلة التّعاون مع منظّمات أخرى مختصّة في الزّراعة المستدامة والمساهمة في تبادل الممارسات الجيّدة في أرجاء المتوسّط.

اختتمت فاطمة حديثها وعلى محيّاها ابتسامة عريضة: ” منحنا الفوز بالجائزة إحساسا جميلا لأنّها تشكّل خطوة كبرى وهامّة في مسارنا. لقد مكّننا الاتحاد الأوروبي من تقديم مشروعنا على المستويين الإقليمي والدّولي ممّا ساعدنا حقّا على التّواصل مع مشاريع من بلدان أخرى والانتفاع منها”.

اقرأ في: English Français