ماذا نفعل بكل هذه النفايات؟ من العنب إلى منتجات التجميل

يوليو 9, 2025
مشاركة في

كتبت النصّ الأصلي أدريان هورتوت في إطار آليّة الدعم الفني لتنفيذ وإدارة برنامج التّعاون عبر الحدود في حوض البحر الأبيض المتوسط للآلية الأوروبية للجوار (TESIM) في شهر أفريل 2024  

 

يُستخدم العنب، جوهرة مزارع الكروم، لإنتاج قرابة 74 مليون طن من النبيذ سنويّا حول العالم.  لكنّ عمليّة انتاج النّبيذ تُفضي أيضا إلى منتج ثانويّ هامّ هو الثفل المتمثّل في مزيج من القشور والبذور والسيقان. يستخدم الثفل كعلف حيوانيّ أو يتمّ تحويله في أحسن الحالات إلى سماد في الهواء الطلق.  بيد أنّ الأبحاث الحديثة تشير إلى وجود كنز مخفي داخل هذه النفايات. حيث يحتوي الثفل على الكثير من المواد النشطة بيولوجيا مثل مضادات الأكسدة وفيه فوائد مثل الخصائص المضادة للشيخوخة وتلك المضادة للسرطان. لذلك يعمل مشروع فرص عمل جديدة واستدامة بيئية باستخدام منتجات تكنولوجيا النانو لمحاصيل العنب المتوسطيّة (ENI CBC BESTMEDGRAPE) على تثمين هذه الموارد غير المستغلّة من خلال المزج بين المعارف والتقاليد والابتكار لتمكين قطاع العنب ورواد الأعمال المبدعين. 

أين يكمن الحلّ؟ في العلوم 

تواجه المنطقة المتوسطيّة، التي تَعُدُّ 40٪ من مزارع الكروم في العالم، تحديا كبيرا في حجم الموروث الذي تحمله يتمثّل في إدارة النفايات.  يوجد في زجاجة النّبيذ العاديّة قرابة 1.17 كيلوغرام من العنب وبعد عمليّة العصر يتحوّل حوالي 20٪ من هذا الوزن إلى ثفل متبقي. رغم حجمها الضّخم، غالبا ما يتجاهل المنتجون نفايات العنب مما ولّد العديد من المخاوف البيئية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.

يعمل مشروع ENI CBC BESTMEDGRAPE  منذ سنوات على منح حياة جديدة لبقايا الطعام ويسعى لإنتاج العنب المستدام الذي يمكن أن يجنّب البيئة كميّات هائلة من النفايات النّاتجة أثناء صناعة النبيذ.

تقول بثينة الغربي، مديرة المشروع: “” تلقي الصّناعة الكثير من النفايات، ونحن نعلم الآن، من خلال أبحاثنا، أن الثفل منتج ثانوي غني جدا ممّا جعل صناعات المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل تسعى إلى استغلاله.” تم إطلاق مشروع BESTMEDGRAPE   سنة 2019 بميزانية قدرها 3,3 مليون يورو وثمانية شركاء يتوزّعون على خمس دول متوسطية هي فرنسا وإيطاليا والأردن ولبنان وتونس. تحت اشراف جامعة كالغري الإيطاليّة، يعمل الشركاء على بعث روح الابتكار في المنطقة حيث خضعت نفايات العنب في مختبرات ساساري (إيطاليا) وفي مزارع الكروم في تونس إلى تحوّل جذريّ من خلال استغلال خصائصها المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات والتنكس العصبي، وظهرت تركيبات جديدة مثل المكملات الغذائية أو مواد التّجميل إذ تمّ تطوير عشرة منتجات وخدمات جديدة للتسويق في مجال مشتقات العنب وإعداد أربعة إصدارات مشتركة حول توصيف واستخراج أصناف العنب المحلية.

في هذا الصّدد، تقول زهور الباهي، رائدة أعمال تونسية منتفعة من أنشطة المشروع: ” بفضل المشروع، اكتشفت الجانب العلمي لزيت بذور العنب، وهو أقوى زيت يمكنه اختراق أعمق طبقة من الجلد.” بيد أنّ تأثير مشروع BESTMEDGRAPE يتجاوز بكثير الاكتشافات العلميّة. 

المختبرات الحية”:  دعم جيل جديد من رواد الأعمال

 من الدّوائر الأكاديمية إلى الصناعة، يهدف المشروع إلى دعم تاسيس شركات ناشئة وشركات صغرى ومتوسطة جديدة عبر رعاية جيل جديد من رواد الأعمال بتنظيم ورشات عمل ومبادرات لتبادل المعارف. انتقل البحث من المختبرات إلى 150 رائد أعمال – (30 رائد أعمال في كلّ بلد من البلدان المشاركة) من خلال ورشات عمل تسمى “المختبرات الحية”. شمل المسار جانبين أوّلهما التدريب العلمي على صناعة مستحضرات التجميل والمغذيات عالية الجودة أمّا الجانب الثاني فيتمثّل في نقل المعارف لتتمكّن الشركات أيضا من مشاركة معارفها التّسويقيّة والعمل على تطوير الإمكانات التجارية ونشأت بذلك شراكة مثمرة بين المؤسسات والباحثين ورجال الأعمال في سبيل تعزيز سلسلة إنتاج العنب.

أردفت بثينة قائلة: ” أضفت فكرة تنويع الشراكات الكثير من المرونة والخبرة إلى جانب تقاسم المعارف فبينما يكون أحد الشركاء متقدما في مجال البحث العلمي يستطيع الشريك الثاني جلب خبرة ثمينة في التعامل مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المعقدة ممّا جعل الشراكات تستفيد كثيرا من التبادل والتّكامل الحيوي “.

إضافة إلى الحدّ من التلوث البيئي، يعمل شركاء المشروع على خلق فرص العمل وتحفيز الاقتصاد المحلي عبر مختلف أنحاء المنطقة المتوسطيّة وقد تمّ اختيار 40 رائد أعمال ضمن المتدربين البالغ عددهم 150 متدربا لبعث مشاريعهم. 

 من بيروت في لبنان إلى بنزرت في تونس، ساند المشروع روّاد الأعمال داخل السّوق المتوسطيّة حيث أصبحوا اليوم قادرين على تقديم منتجات مبتكرة مصنوعة من نفايات العنب.

كما تم تطوير منصة تقنية عبر الحدود لدعم التّشبيك بشأن استغلال نفايات العنب وقد قالت لنا زهور في هذا الشّأن: “نعمل اليوم داخل السّوق على نحو منظّم ولدينا زبائن أوفياء. بفضل هذا المشروع، نجحنا في إعداد إستراتيجيتنا التسويقية.” من جانبه، أضاف رائد الأعمال رفيق بوخريص:  “لتقديم منتجاتنا في أبهى حلّة، صمّمنا عبوات خشبية بلمسة تونسية خصّصناها لسلسلة هدايا السّفر”.

أكثر من مجرد مشروع : بناء المهارات والثقة والمستقبل

لا نستطيع قياس نجاح BESTMEDGRAPE  فقط بالأرباح المالية التي حقّقها لانّ المشروع يهدف أيضا إلى تعزيز القدرة على الصمود والتمكين. وفقا لزهور الغربي، يهدف المشروع إلى جعل المنطقة المتوسطيّة أكثر ابتكارا وتنافسية وكذلك أكثر شموليّة.

التحقت أمل الطرابلسي بالتّدريب عندما كانت طالبة جامعية وهي الآن المؤسس المشارك للعلامة التجاريّة  “Vitofera” المتخصصة في زيت بذور العنب: “أنا أخصائية تغذية وقد التقيت بالفتيات الأخريات اللواتي أصبحن الآن شريكاتي، أثناء التدريب.  هنّ مهندسات وقد تبيّنا أنّ خبرتنا متكاملة تماما. بعد حضور الورشات، قررنا بعث علامتنا التجارية “Vitofera” وإنشاء شركة صغرى معا لإنتاج زيت بذور العنب الغنيّ بمضادات الأكسدة ومرطّبات البشرة وهو مفيد جدا للشعر والوجه والجسم كله. الآن يجب أن نجد السّوق لترويج المنتج، لكنني واثقة من أننا سنجدها قريبا”.

من المختبرات إلى مزارع الكروم، ومن رواد الأعمال إلى المستهلكين، يترك مشروع   BESTMEDGRAPE بصمة عميقة ويحول النفايات إلى منتجات رائعة ليبيّن أن الابتكار في المنطقة المتوسطيّة لا يعرف حدودا. 

شرحت لنا بثينة الغربي ذلك بقولها: “انطلاقا من هذه النّفايات تمكنا من إنتاج أمصال وزيوت البذور ومواد هلامية لتنظيف البشرة ومجموعة متنوعة من الزيوت متعددة الأغراض وذلك بفضل روّاد أعمال رائعين بدأوا كمتدربين في بدايات المشروع. وفّرنا لهم التّوجيه والمرافقة لتجويد أفكارهم، ونحن الآن نشهد وصولهم بنجاح إلى مرحلة التّسويق “.

 

للمزيد من المعلومات حول المشروع : 

 

https://www.enicbcmed.eu/projects/bestmedgrape

اقرأ في: English Français