قد يبدو التعافي من أحداث الحياة الصادمة أمرًا مستحيلًا بالنسبة للبعض منّا ومن ضمنهم هناء* اللاجئة السّوريّة (50 سنة) التي وصلت إلى مخيّم الأزرق شمال الأردن قبل 11 سنة لكن منذ أن التحقت بمشروع إدارة النّفايات الصّلبة المموّل من الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السّوريّة، “مدد” استرجعت الأمل وحبّها للحياة.
تقول هناء: ” قبل مجيئي إلى مخيّم الأزرق، كنت دائمة الحيويّة وقلّما كنت أتوقّف عن النّشاط لكن عندما انتقلت إلى بيئة جديدة جعلتني التغييرات المفاجئة أكثر انطوائية وأصبحت لا أغادر العربة التي أعيش داخلها وأقضّي فيها كلّ وقتي”. إزاء حالة اليأس التي كانت تعيشها هناء، شجّعها زوجها على ربط علاقات اجتماعية مع غيرها والبحث عن أنشطة تحقّق رغباتها وتملء وقتها. مع مرّ الأسابيع، بدأت هناء تنفتح مجدّدا على عالمها الخارجيّ لتلتقي بجيرانها وأصدقائها والبحث عن فرص جديدة وتقول في هذا الصّدد: ” اخترت أن أكون المرأة التي كنت في الماضي أي أن أكون منتجة وطموحة وأن أحدث تغييرا إيجابيّا في العالم”.
خطرت ببال هناء فكرة بعد أن زارها في بيتها متطوّعون من المنظّمة التنمويّة الدوليّة World Vision يعملون في مجال تغيير السّلوك وتقول هناء مبتسمة وهي تستذكر ذلك اللقاء:” تحدثوا معي عن كيفية التخلص الآمن من النفايات وكيفية الحفاظ على صحة سكان المخيم وكانوا مهذبين للغاية ولم يكونوا في عجلة من أمرهم، بل أجابوا بكلّ صبر على كافّة اسئلتي التي كان عددها كبير!”
إدارة النّفايات الصّلبة: ضرورة يوميّة
حرصًا منها على معرفة المزيد، بدأت هناء تبحث عن المعلومات حول مشروع إدارة النفايات الصلبة الذي تنفذه منظمة World Vision بالشراكة مع الوكالة الألمانيّة للتّعاون الدّولي بتمويل من الاتحاد الأوروبي عبر الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السّوريّة “مدد” والوزارة الفدراليّة الالمانيّة للتّعاون الاقتصادي والتّنمية.
سجّلت في الدورات التدريبة لتصبح متطوعة تتنقّل بين الأسر لرفع الوعي بشأن إدارة النفايات وشرح كيفية فرز النفايات العضوية والنفايات الصلبة و كيف تنتج النّفايات و قد شرحت لنا هناء عملها قائلة: “خلال الزّيارة، أبيّن للنّاس الحاويتين المستخدمتين حيث تُخصّص الحاوية الخضراء للنّفايات العضويّة والحاوية الزرقاء للنّفايات الصّلبة كما أسلّط الضوء على المخاطر الصحية النّاتجة عن رمي النّفايات على نحو خاطئ” لأنّ رميها بطريقة عشوائيّة من شأنه أن يحوّلها إلى خطر يهدّد صحّة ورفاه الجميع داخل المخيّم لذلك تسعى المبادرات المشابهة لمشروع إدارة النّفايات الصّلبة إلى الوقاية ضدّ هذه المخاطر.
كان الانخراط في المشروع أمرا بديهيّا بالنّسبة إلى هناء حيث قالت لنا:” فور اطلاعي على المشروع أدركت أنّه الإطار الذي كنت أريد العمل فيه منذ البداية وعندها بدأت أشعر أنّني عدت إلى ما كنت عليه من قبل”.
العمل من أجل مستقبل أفضل
تعتقد هناء أنه من خلال تثقيف الناس بشأن أنواع الطفح الجلدي والأمراض المعدية وأمراض الجهاز التنفسي التي يمكن أن تسببها الإدارة غير السليمة للنفايات، يمكنها المساعدة في تحسين العادات السّائدة في مجال التخلّص من النّفايات:” لقد فتحت هذه التّجربة عيناي على جانب آخر من الحياة وأدركت أنّني أمام فرصة ستجعلني أحقّق شيئا ما وبدأت أعيد النّظر في أفعالي السابقة وأفكر في الطريقة التي اعتدت بها التخلص من النفايات ثم قطعت وعدًا مع نفسي بتغيير سلوكي. من يقومون بتنظيف الشّوارع هم أهلنا وينبغي علينا مساعدتهم فنحن نعرّضهم، دون وعي من جانبنا، إلى أخطار صحيّة عندما نرمي الفضلات على نحو غير مسؤول لذلك أنا لا ألوم نفسي على الطّريقة التي اعتدت التخلّص بها من النفايات لأنّني لم أكن أعرف في ذلك الوقت الضرر الذي قد اسبّبه. لقد بدأت مرحلة جديدة الآن وأتمنّى المساهمة في أن يكون عمل رافعي القمامة أيسر وأكثر أمانا”.
الاتّحاد الأوروبي وسوريا
يشكّل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المانح الأساسي للمساعدة الدوليّة لفائدة الجهات المتضرّرة من النّزاع في سوريا وقد عبّأ الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الأزمة سنة 2011 أكثر من 25 مليار يورو لدعم أشدّ الفئات السوريّة هشاشة داخل البلاد وعبر المنطقة. نظّم الاتّحاد الأوروبي لخمس سنوات متتالية من 2017 إلى 2021 مؤتمرات لدعم مستقبل سوريا والمنطقة مثّلت أهمّ التّظاهرات المخصّصة لتقديم التعهّدات لفائدة الأزمة السّوريّة. سنة 2021، عبّأت المفوضية الأوروبية أكثر من 141 مليون يورو كمساعدات إنسانية لتقديم الدّعم الحيوي لملايين السكّان داخل سوريا.
إضافة إلى مخصصاتها الأولية البالغة 130 مليون يورو، قدمت المفوضية أكثر من 10 مليون يورو لدعم السكّان الذين يعانون من أزمة المياه الحادة والجفاف في شمال سوريا كما يدعم التّمويل السكّان خلال فصل الشتاء. تمّ تخصيص مبلغ إضافيّ يساوي 1 مليون يورو للاستجابة إلى أزمة كوفيد-19.