لم يكن بناء حياة كريمة في البلد المستضيف لهم بالأمر الهيّن بالنّسبة إلى السّوريّين الذين فرّوا من ويلات الحرب في السّنوات العشر الماضية فإلى جانب العثور على مأوى وتوفير الأكل والسّلامة كان عليهم الكفاح إزاء غياب فرص العمل وضعف دخلهم. لذلك يعمل الاتّحاد الأوروبي على دعم أسر اللاجئين من خلال تمكينها من فرصة لاسترجاع البعض ممّا فقدته وذلك في إطار البرنامج التدريبيّ لمنظّمة العمل الدوليّة وصندوق مدد الذي يوفّر فرصا للتّدريب والعمل.
تمكّنت عائشة حسّون، أمّ لسبعة أطفال، فرّت من حلب سنة 2014 من الحصول على عمل في قطاع الزّراعة وتربية الماعز: ” تعمل كلّ من ابنتي وإبني معي في مزرعة قريبة لإنتاج الفراولة يمتلكها أردنيّ رغم أنّهما من المفروض أن يكونا في المدرسة”. عائشة ممتنّة جدّا لهذه الفرصة لكنّها تعتبر أنّ العمل شاقّ جدّا وتحصل منه على دينار أردنيّ (1,3 يورو) في السّاعة.
علمت عائشة منذ أسابيع بالبرنامج التّدريبي لمنظّمة العمل الدوليّة وصندوق مدد الذي يحمل عنوان ” نحو نظام وطنيّ شامل للحماية الاجتماعيّة والتّسريع في خلق فرص للعمل اللائق لفائدة السّوريّين والأردنيّين من الفئات الهشّة”. تشرف على إنجاز المشروع كلّ من المنظّمة الدوليّة للعمل واليونيسف بالتّعاون مع الصّندوق الوطني للمساعدة وبتمويل من الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السّوريّة “مدد” وهو يهدف إلى دعم الفئات الهشّة من الأردنيّين والسّوريّين في المسار الذي سينتقل بهم من الاعتماد على المساعدات إلى الاستقلاليّة والكفاءة الذاتيّة.
بالنّسبة إلى عائشة (37 سنة)، يمثّل الانخراط في هذا البرنامج فرصة لاكتساب كفاءات ومهارات جديدة مطلوبة في سوق العمل: ” ممّا قد يمكّنني من الحصول على عمل أفضل ودخل أوفر. أريد الحصول على عمل لائق وسيساعدني هذا التّدريب على تحقيق ذلك كما سيمكّن ذلك أبني وابنتي من العودة إلى المدرسة!”
استعادة الكرامة
بينما يجلس ابنها الأصغر بخجل بجانبها، تروي مريم فندي (30 سنة) الفترات الصعبة التي مرت بها منذ هروبها من سوريا سنة 2011 :” أصبحت الحياة في الحسكة (شمال شرقيّ سوريا) شديدة الخطورة لذلك اضطررنا إلى الفرار تاركين خلفنا حياة كانت طيبة للغاية. كانت حياتنا مختلفة تماما عمّا نعيشه اليوم”.
تعيش مريم الآن مع أبنائها الستّة في مخيّم الأزرق (شرق عمّان) حيث مازالت الظّروف صعبة بعد مرور ثماني سنوات عن افتتاحه رسميّا وأصبح مخيّم الأزرق، الذي يأوي زهاء 100 ألف لاجئ إلى حدود شهر مارس 2022، رمزا للحرب المطوّلة وللفشل في تسوية النّزاع. مازالت العديد من الأسر تعيش في ظروف هشّة مثل مريم التي شرحت لنا أنّ أسرتها تعيش في خيمة لأنّها لا تستطيع تحمّل كلفة منزل عاديّ. ولأنّ دخلها لا يتجاوز 200 دينار أردنيّ (260 يورو) شهريّا تكافح مريم لتغطية نفقاتها وبصرف النّظر عن سبل العيش اللائق، تودّ مريم استرجاع كرامتها والحصول على “عمل لائق” وتشدّد على أنّها تريد اكتساب مهارة ممّا يخوّل لها العثور على عمل لمساعدة أسرتها: ” أريد عملا مشرّفا ولا أريد عملا شاقّا تحت أشعّة الشّمس كامل اليوم”.
المنظّمة الدوليّة للعمل وصندوق مدد من أجل تحسين سبل العيش
تتمثّل إحدى الأهداف الأساسيّة لبرنامج المنظّمة الدوليّة للعمل وصندوق مدد في المساهمة في تحسين سبل عيش الفئات الهشّة من الأردنيين والسوريين الضعفاء حتى يتمكنوا من العيش بأمان وكرامة.
تعلّق مريم، مثل عائشة و الكثير غيرها، أملا كبيرا على هذا البرنامج الذي يعتبرونه نافذة على مستقبل مشرق و أكثر أمانا لأنّه يسعى من خلال تعزيز فرص العمل وسبل العيش للمتدربين إلى تمكين الأردنيين العاطلين عن العمل و غير النّاشطين اقتصاديّا واللاجئين السوريين الذين يعتمدون في حياتهم على المساعدة النقدية للانتقال نحو العمل اللائق و العيش الكريم و هو يعمل على تفعيل الاستراتيجية الوطنية الطموحة للحماية الاجتماعيّة التي أعلنت عنها الحكومة الأردنية سنة 2019 و يهدف البرنامج في نهاية المطاف إلى إنشاء روابط متينة بين الحماية الاجتماعية و التّوظيف لفائدة الأردنيّين واللاجئين وتعزيز التواصل مع القطاع غير الرسمي.
الاتّحاد الأوروبي وسوريا
يشكّل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المانح الأساسي للمساعدة الدوليّة لفائدة الجهات المتضرّرة من النّزاع في سوريا وقد عبّأ الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الأزمة سنة 2011 أكثر من 25 مليار يورو لدعم أشدّ الفئات السوريّة هشاشة داخل البلاد وعبر المنطقة. نظّم الاتّحاد الأوروبي لخمس سنوات متتالية من 2017 إلى 2021 مؤتمرات لدعم مستقبل سوريا والمنطقة مثّلت أهمّ التّظاهرات المخصّصة لتقديم التعهّدات لفائدة الأزمة السّوريّة. سنة 2021، عبّأت المفوضية الأوروبية أكثر من 141 مليون يورو كمساعدات إنسانية لتقديم الدّعم الحيوي لملايين السكّان داخل سوريا.
إضافة إلى مخصصاتها الأولية البالغة 130 مليون يورو، قدمت المفوضية أكثر من 10 مليون يورو لدعم السكّان الذين يعانون من أزمة المياه الحادة والجفاف في شمال سوريا كما يدعم التّمويل السكّان خلال فصل الشتاء. تمّ تخصيص مبلغ إضافيّ يساوي 1 مليون يورو للاستجابة إلى أزمة كوفيد-19