“تشغيل كافّة المتخرّجين من المدارس التقنيّة”
يهدف المشروع الذي يشترك الاتحاد الأوروبي والمؤسّسة السويسريّة Drosos في تمويله ويشرف على إنجازه المعهد الأوروبي للتّعاون والتّنمية إلى مساعدة طلبة المدارس التقنيّة في لبنان على وجود عمل يتماشى مع اختصاصهم.
تشير السّاعة إلى الخامسة مساء وتستعدّ كارول عجيل لمغادرة مقرّ ” Wood and Gas” المؤسّسة اللبنانيّة المختصّة في صناعة المدافئ حيث بدأت كارول الحاصلة على شهادة تقنيّة في هندسة الدّيكور العمل منذ بضعة أشهر. قالت كارول : ” أنا فرحة جدّا بهذا العمل المثير و الملائم لمجال اختصاصي” و أضافت : ” اتصل بي جورج مقدسي، المسؤول عن مكتب التّوجيه في مدرسة الصنائع و الفنون بالدّكوانة واقترح عليّ عملا في هذه الشركة و لم يسبق لي أن قدّمت سيرتي الذاتيّة لديهم و لكنّني تخرّجت في المرتبة الثانية في دفعتي ممّا مكّنني من الحصول بسرعة على أوّل عمل لي في رواق للعروض و عندما عرض عليّ المكتب هذا العمل الذي يقترب أكثر من اختصاصي و مع شركة مشهورة لم أضيّع الفرصة”.
كارول هي ثاني طالبة تشتغل في شركة ” Wood and Gas” عبر مكتب التّوجيه وقد تابع شقيق كارول دراسته في اختصاص الهندسة المعماريّة في نفس المدرسة ويأمل اليوم الحصول بسرعة على عمل من خلال المكتب حيث سجّل سيرته الذاتيّة وينتظر الآن ان يتّصل به أحد موظّفي المكتب.
يضطلع المكتب بدور هامّ تجاه المتخرّجين من المدارس التقنيّة فهو يربط العلاقات مع المؤسّسات التي تبحث عن عناصر جيّدة وشباب يرغب في العمل في اختصاصه.
بدأ هذا المسار سنة 2012 عندما قرّر المعهد الأوروبي للتّعاون والتّنمية بفضل تمويل من المؤسّسة السّويسريّة Drosos انجاز مشروع نموذجيّ ببعث خمس مكاتب للتّوجيه و التّشغيل داخل خمس مدارس تقنيّة خاصّة و قرّرت مؤسّسة التّدريب الأوروبيّة من خلال مشروعها “الحوكمة من أجل رفع قابلية التوظيف في منطقة المتوسط “ الهادف إلى تحسين قابليّة تشغيل الشباب في البلدان المتوسطيّة (قرّرت) دعم ذلك المشروع النّموذجي، الذي شارك الاتحاد الأوروبي في تمويله، عبر المساهمة في فتح مكتب للتوجيه و التّشغيل صلب ستّ مدارس تقنيّة عموميّة ممّا سمح للمدارس العموميّة بالدّكوانة و حمانا و الشويفات و بنت جبيل و طرابلس و زغرتا بتوفير هذه الخدمات لفائدة الطلبة المسجّلين لديهم.
قالت زينة سفير، رئيسة مشروع المعهد الأوروبي للتّعاون والتّنمية: “ يهدف المشروع إلى مساعدة طلبة المدارس التقنيّة منذ مرحلة التّسجيل على اختيار اختصاصهم ثمّ توجيههم خلال مسارهم الدّراسي وإعدادهم لوجود عمل عبر أنشطة مختلفة ولتحقيق هذا الهدف يستخدم المكلّف بالمكتب شبكة علاقاته ليوفّر لهم عروضا عند تخرّجهم من المدرسة”.
تنظّم المكاتب قرابة 15 نشاطا تتوزّع إلى ثلاثة أصناف يهتمّ الصّنف الأوّل منها بتوعية طلبة المدارس الأكاديميّة وكذلك الأولياء حول أهميّة التّعليم التقني والطّلب على الاختصاصات التقنيّة في سوق العمل.
تشير زينة سفير في هذا الصّدد إلى كون ” الطّالب يستطيع في سنّ الثامنة عشر عند حصوله على شهادة ختم الدّروس التقنيّة أن يجد بسهولة عملا براتب محترم يمكنه من تغطية احتياجاته ومن تأمين استقلاليّته الماليّة لكن وللأسف يتمثّل أكبر تحدّي نواجهه اليوم في الأولياء ونحن في حاجة إلى تغيير العقليّات والأفكار النمطيّة السّائدة التي تجعلهم يعتقدون أنّ الطّلبة الذين يقبلون على التّعليم التّقني هم الفاشلون”.
يستهدف الصّنف الثاني من الأنشطة المرافقة والتّوجيه لضمان اختيار الطّالب للاختصاص الذي يتماشى مع ميولاته وكفاءاته وكذلك مع آفاق العمل وليتعلّم كيف يبحث عن عمل وكيف يصوغ سيرته الذاتيّة وكيف يستعدّ لمقابلة عمل ولزيارة المؤسّسات…
أمّا الصّنف الثالث فيشمل التدريب في المؤسّسات ويهدف إلى تكوين شبكة من المؤسّسات الشريكة التي تستقبل الطّلبة لتدريبهم او المتخرّجين لتشغيلهم وإلى الحفاظ على العلاقات مع قدماء المتخرّجين لتعزيز الرّوابط بين المدرسة والمؤسّسة.
العديد من النتائج الواعدة
تقول زينة سفير أنّ مكاتب التّوجيه سجّلت نجاحات كثيرة حيث تمكّن عديد الطّلبة من الحصول على عمل إمّا مباشرة من خلال المكتب أو بطريقة غير مباشرة عبر الأنشطة التي تنظّمها المكاتب وساهمت في تواصلهم مع المؤسّسات كما ترى أنّ سوق العمل في حاجة ماسّة للتقنيين لأنّ المؤسّسة تشغّل 10 تقنيين مقابل مهندس واحد.
مكّن المشروع في ذات الوقت من بعث وظائف جديدة تتمثّل في إدارة مكاتب التّوجيه والتّشغيل على غرار الوظيفة التي يشغلها جورج مقدسي المكلّف بمكتب التّوجيه في مدرسة الصنائع والفنون بالدّكوانة.
تأسّست هذه المدرسة سنة 1905 وهي من أقدم المدارس التقنيّة في لبنان وتختصّ بموقعها القريب من منطقة صناعيّة شمال بيروت وعلى مشارف جبل لبنان.
درّس جورج مقدسي الكهرباء على امتداد 12 سنة ثمّ تلقّى تدريبا مكثّفا ليتولّى مسؤوليّة مكتب التّوجيه الذي بُعث بمقتضى أمر من وزير التّعليم آنذاك، الياس بو صعب.
لا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ الاتحاد الأوروبي وضع كامل ثقله من خلال دعمه الميداني لمشروع “الحوكمة من أجل رفع قابلية التوظيف في منطقة المتوسّط” ليقنع الحكومة اللبنانيّة بالانخراط في المشروع.
يقول جورج مقدسي:” اتّصلت بقرابة 110 مؤسّسات مشهورة لتنتدب من خلال مكتبنا” وهو يعتقد أنّه “لا مجال ليقبع أيّ حامل لشهادة تقنيّة في البيت دون عمل لأنّ سوق العمل في حاجة إلى التقنيين ذوي الكفاءة” ففي غضون سنة واحدة نجح المكتب في تشغيل قرابة 40 شابّا وشابّة وهو رقم هامّ في بلد يمرّ بأزمة مثل لبنان.
وأضاف جورج مقدسي:” نعتمد على الإحصاءات المتعلّقة بوضع سوق العمل وطلباته لنوجّه الطّلبة نحو هذا الاختصاص أو ذاك حسب طلب المؤسّسات على غرار دراسات الهندسة الصناعيّة هنا في الدّكوانة فمنذ سنوات لم يكن عدد المتخرّجين من هذا الاختصاص يتجاوز ثلاثة متخرّجين أمّا اليوم فيقارب عددهم العشرين”.
يعتبر الاتحاد الأوروبي هذه النتائج مرضيّة لأنّها تترجم رغبته في توفير فرص للشباب ليعمل في بلده وليعيش حياة لائقة ويساهم في الإنتاج ممّا يصرف عنه فكرة الهجرة أو الوقوع في فخّ الرّاديكاليّة الفكريّة أو شبكات الإجرام.