مصر: كيف ساعد الدّعم الأوروبي على رفع الوعي لوضع حدّ لأزمة تتواصل منذ عشرات السّنين في الفيّوم

ديسمبر 11, 2019
مشاركة في

يدخل مشروع تهيئة قناة أولاد محمّد في الفيّوم بمصر في إطار برنامج أكبر هو برنامج الاتّحاد الأوروبي المشترك للتّنمية الرّيفيّة المموّل من طرف الاتحاد الأوروبي تحت مظلّة برنامج الجوار الأوروبي للزّراعة والتّنمية الرّيفيّة بمنحة قيمتها 21.9 مليون يورو. تتولّى وزارة الشّؤون الخارجيّة والتّعاون والتّنمية الايطاليّة تنفيذ برنامج الاتحاد الأوروبي المشترك للتّنمية الرّيفيّة عبر السّفارة الايطاليّة في مصر بمساعدة الوكالة الايطاليّة للتّعاون التقني (AICS). برنامج الاتّحاد الأوروبي المشترك للتّنمية الرّيفيّة هو مبادرة محليّة تدور في 3 محافظات مصريّة هي مطروح والمنيا والفيّوم. يتمثّل الهدف الأساسي لبرنامج الاتّحاد الأوروبي المشترك للتّنمية الرّيفيّة في تحسين جودة حياة سكّان المناطق الرّيفيّة داخل المحافظات المستهدفة مع التّركيز على الإدارة المستدامة للموارد المحليّة.

انطلق الاتّحاد الأوروبي منذ ثلاث سنوات في تمويل مبادرة لتهيئة قناة أولاد محمّد في الفيّوم بمصر وكان الهدف الأساسيّ من المشروع الذي تسهر على تنفيذه الحكومة الايطاليّة يتمثّل في تحسين كفاءة الريّ لأنّ المقطع العرضي للقنوات والشّبكات المرتبطة بها كانت مشوّهة بسبب غياب الصّيانة ممّا تسبّب في فقدان كميّات هامّة من المياه. وقد تلوّثت القنوات على امتداد عشرات السّنين بكميّات هائلة من النّفايات ممّا تسبّب في أمراض لآلاف المستهلكين ومنع المياه من الوصول إلى أغلب الأراضي التي كانت تعتمد على القناة لتوفير مياه الريّ.  نجح المشروع المموّل من طرف الاتّحاد الأوروبي في الفيّوم في تغيير حياة الفلّاحين المحليّين من خلال دفع نجاعة نظام الريّ وتحسين جودة الأراضي والمحاصيل والحفاظ على البيئة في نفس الوقت. 

“ كنّا نعاني قبل المشروع … “

شيماء يوسف هي ربّة بيت ترتدي نقابا لا تظهر من خلالها سوى الفرحة التي تغمر عيناها بعد أن تغيّرت حياتها تماما اثر تهيئة قناة أولاد محمّد سنة 2016 وقد قالت لنا في ذلك الصّدد:” قبل المشروع كنّا نعاني من وجود أطنان من النّفايات التي ينتهي بها المطاف في القناة ولم يكن أمامنا ايّ اختيار آخر حيث كانت الشّاحنات التي تجمع النّفايات تأتي على نحو غير منتظم وكان العديد من السكّان يحرقون الفضلات ويرمون بها في القناة للتخلّص من النّفايات”.

كانت شيماء تأخذ ابنها عليّ (8 سنوات) لزيارة الطّبيب لمداواة مرض الحساسيّة الذي أصابه بسبب استنشاقه للدّخان الذي تنفثه عمليّة حرق الفضلات على جانبيّ القناة أمّا بعد إنجاز مشروع التهيئة وعدم حرق الفضلات في المنطقة التي تقطنها فقد تحسّنت حالته الصحيّة.

شيماء هي واحدة من ضمن 2151 فلّاح انتفعوا من مشروع ” تهيئة وتحسين البنى التحتيّة للريّ في الفيّوم” وهي تقيم في قرية الوي من مركز اطسا على بعد 116 كيلمترا من القاهرة، واحدة من ضمن أربع قرى تعبرها قناة أولاد محمّد التي يغطّيها المشروع المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي  إلى جانب قناة بيهمو في مركز سنورس المجاور. يمتدّ قسم القناة المعني بالمشروع على 85 كيلومترا (منها القناة الأساسيّة وأقسامه الفرعيّة).  

حملات التوعية

كان لا بدّ من تنظيم الحملات التوعويّة لتحسين الوضع وقد تمّ بذل جهود كبيرة لإقناع السكّان بالكفّ عن رمي الفضالات في القناة وفي هذا الإطار زارت مديحة، إحدى أفراد فريق المشروع، سكّان القرية في منازلهم وتحدّثت معهم عن مساوئ ومخاطر رمي القمامة في القناة. تتذكّر شيماء كيف بدأ السكّان المحليّون في التعوّد شيئا فشيئا على عمل المشروع وقالت لنا في هذا السّياق:” بدأ القلق يغمرنا عندما أعلمتنا مديحة بأنّ الدّراسات العلميّة تؤكّد أن استنشاق الأطفال لبخار القمامة يمكنه أن يتسبّب لهم في مشاكل صحيّة وقد يعطّل نموّ دماغهم ويولّد لديهم التهابات تفضي إلى نوع من التخلّف العقلي”.

دارت الحملات داخل الجوامع عبر أنحاء المركز بمناسبة خطبة الجمعة بالتّعاون مع الأئمّة المحلّيين وكذلك بمناسبة صلاة التّراويح خلال شهر رمضان المعظّم كما دارت الحملات داخل المدارس والتقى المسؤولون المشاركون في المبادرة بأكثر من ألف طالب وطالبة يتراوح سنّهم بين 9 سنوات و15 سنة. وحسب فريق المشروع كانت برامج التّوعية تستهدف في البداية 500 ساكن من سكّان القرية لكنّها شملت في نهاية المطاف قرابة 3700 فردا.

خلال الحملة التوعويّة دارت أغلب الأسئلة التي طرحها سكّان القرية حول البدائل المتوفّرة للتخلّص من القمامة وقد اعتبر الخبراء أنّ الحلّ الأفضل للتخلّص من الفضلات ينطلق بفرز الفضلات داخل المنزل ثمّ بيع جزء منها لتمثّل بذلك موردا إضافيّا للدّخل الأسري.

بيع القمامة حل حقيقي 

لاحظنا داخل منزل شيماء أكياسا من القوارير البلاستيكيّة وأخرى مليئة بالأوراق كانت تنتظر قدوم تاجر الخردة لرفعها وقد شرحت لنا أنّ المشروع مكّنها من التّرفيع في دخلها من خلال بيع القمامة حيث يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الزّجاج إلى 2 جنيه مصريّ ويتراوح ثمن الكيلوغرام من العلب والصّفائح بين 8 و 12 جنيه أمّا الكيلوغرام من الورق المقوّى فيمكن بيعه بين 1.5 و 2 جنيه و أشارت أيضا إلى أنّ نساء القرية تتبادلن القوارير الفارغة و البلاستيك المنزلي مقابل منتجات الصّابون.

ضحكت شيماء عندما تذكّرت أنّ ابنها الذي كان يسبح في القناة أصبح الآن يطلق عليها اسم ” حمّام السباحة ” بينما كان في السّابق يغطس مع رفاقه في الأوحال والأعشاب والنّفايات وحتّى قطعا من الزّجاج التي كثيرا ما تسبّبت لهم في جروح.

يعمل المشروع المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي أيضا على توفير الحلول المستدامة لمشكلة النّفايات من خلال تمويل 15 شابّا من القرية نصفهم من الفتيات، لبعث مشاريعهم الخاصّة. فكّر جميعهم في حلول في مجال الاستثمار في النّفايات الصّلبة والفضلات الفلاحيّة على غرار الدّراجات ثلاثيّة العجلات لتجميع القمامة وجهاز لضغط الفضلات الفلاحيّة وغيرها من المشاريع المشابهة التي يسمح كلّ منها لصاحبه بالخروج من الفقر مع خلق بين أربع وخمس فرص للعمل.

 

تقنية التّهيئة

بعد وضع حدّ لرمي القمامة في القناة تمّ حفر قناة بديلة لتحويل المياه والحفاظ على مدّ الأراضي بمياه الريّ ثمّ تمّ تنظيف القناة الأساسيّة من القمامة المتكدّسة ووضع طبقات من الحجارة مغطّاة بالإسمنت في قاعها وعلى جانبي مجرى المياه لضمان الحفاظ على نفس العمق على امتداد المجرى وبعد الفراغ من العمل تمّ إرجاع المياه إلى مسارها في القناة الأساسيّة وردم القناة البديلة.

بحلول شهر أوت/أغسطس 2019 تمّ الفراغ من قرابة 80% من أشغال تهيئة القنوات الأساسيّة ومن المزمع أن تنتهي كامل الأشغال في شهر مارس 2020 لتغطية 3,942 فدّان من الأراضي الفلاحيّة ينتظر أن تنتفع من المشروع (يساوي الفدّان الواحد 0.42 هكتار).

ارتفاع المحاصيل الزراعيّة

يبرز أهمّ مفعول لتهيئة قناة أولاد محمّد على مستوى تحسين ريّ الأراضي الزراعيّة وقد صرّح رئيس جمعيّة مستعملي مياه قناة أولاد محمّد، أبو بكر حسن المنشاوي بأنّ القرية ” عانت طويلا من سوء حالة القناة بسبب الإهمال وتكدّس النّفايات داخلها وقد حاولنا تقديم شكاوى ومطالب لحلّ هذا الاشكال لكن دون جدوى”.

كان ثلث الأراضي المجاورة لقناة أولاد محمّد محروما من الريّ بسبب كميّات المياه المفقودة تحت مفعول المقطع العرضيّ المشوّه للقناة وتكدّس الفضلات والنّفايات والأعشاب لكنّ الوضع تغيّر تماما في المناطق المنتفعة من المشروع المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي.

بعد تنفيذ المشروع ارتفعت كميّات المياه المتوفّرة وانخفضت مدّة الريّ المتوفّرة لكلّ فلّاح بالنّصف كما تمّ التّخفيض بنسبة 75% من الوقت الذي يستغرقه تدفّق المياه من بداية القناة إلى آخر حقل.

خلال حوارنا معه تلقّى أبو بكر خبرا سعيدا إذ اتّصل به أحد الفلّاحين العاملين في أرضه وأعلمه بأنّهم شرعوا في الحصاد ولاحظ أنّ محصول الذّرة قد ارتفع بنسبة الثلث وبنسبة 20% بالنّسبة إلى القمح فقال لنا أبو بكر: ” لقد نجحنا في تحقيق هذه النّتائج بفضل المشروع وقد أصبح من الممكن اليوم أن نزرع أراضينا في فصل الشتاء أيضا ولم نعد مجبرين على العمل خلال موسم واحد فقط كما كان الأمر من قبل”.

الحدّ من كلفة العمل الفلاحي

لا تقتصر المنافع الحاصلة للفلّاحين على تحسّن الانتاجيّة بل شملت أيضا الحدّ من كلفة العمل الفلاحي فعلى سبيل الذّكر ولا الحصر كان الفلّاحون قبل انجاز المشروع يستخدمون المضخّات لمواجهة نقص المياه وكان ذلك يتسبّب لهم في كلفة مرتفعة خاصّة لتغطية ثمن المحروقات واليد العاملة.

إثر عمليّة تبطين القناة توسّعت المساحة المجانبة للقناة وأصبح عرض المساقي (القنوات الصّغيرة) يتراوح بين متر وخمسين سنتمترا (مقارنة بعرض القناة العاديّة الذي يصل إلى 4 أمتار) وقال لنا أبو بكر أنّ ” توسيع المساحة مكّن من تيسير عمليّة نقل المنتجات الفلاحيّة في دفعة واحدة باستخدام عربات كبيرة بينما كنّا في السّابق نقوم بسفرات متعدّدة ذهابا و إيابا لنقل المنتجات الفلاحيّة على الدّرّاجات الثلاثيّة أو على ظهر الحمير و هو ما يسمح للفلّاحين بتوفير الأموال بالنّسبة إلى الميزانيّة التي كانوا يرصدونها للنّقل و بعد تهيئة القناة بدأت جمعيّات مستعملي المياه تفكّر في اقتناء جرّافة صغيرة يساهم جميع الفلّاحين المعنيّين في دفع ثمنها و استعمالها لصيانة القناة نيابة عن وزارة الموارد المائيّة و الريّ”.

استدامة النّتائج

 

لضمان استدامة نتائج المشروع تعتزم جمعيّة مستعملي مياه قناة أولاد محمّد فرض أتاوى سنويّة على كلّ فلّاح كما تولّت الجمعيّة إدارة تنظيف المساقي والتزم الفلّاحون باحترام قواعد إدارة المياه وقد أعلن رئيس الجمعيّة أنّه سيتمّ فرض خطايا على كلّ من يلقي الفضلات في القناة. ويتمنّى أبو بكر أن يتواصل المشروع ليشمل جميع الأراضي المشرفة على قناة أولاد محمّد خاصّة بعد أن تبيّن جميع سكّان المنطقة المعنيّة بالمشروع مفعوله الايجابيّ على حياتهم.

يدخل هذا التّغيير الايجابيّ في حياة فلّاحي الفيّوم في إطار العديد من المشاريع التي موّلها الاتحاد الأوروبي في مصر وقد وصل المبلغ الذي رُصد للتّعاون في مصر إلى 1.4 مليار يورو في شكل منح ممّا جعل من الاتّحاد الأوروبي أكبر مانح في البلاد التي يعاني عدد كبير من سكّانها من الفقر (حسب آخر الإحصاءات الرسميّة، يعيش 32.5 % من سكّان مصر تحت خطّ الفقر).

انتفع إلى حدّ الآن 2 151 فلّاحا من المشروع وقد تطلّبت مرحلة التّنفيذ استثمارات وجهودا كبيرة بيد أنّ التحدّي الأكبر مازال يتمثّل في تغيير ملموس ودائم للعقليّات لضمان استدامة النّتائج وليشمل مفعول المشروع القرى المجاورة ويتواصل نجاح مشروع ” تهيئة وتحسين البنى التحتيّة للريّ في الفيّوم”.

المزيد من الصور

ألبوم فليكر (فليكر) 

اقرأ في: English Français