حصلت شركة الأرض الفلسطينية على جائزتين هذا العام كأكبر مصدر فلسطيني للزيوت والمنتجات الزراعية. كان الإتحاد الأوروبي قد دعم الشركه في محاوله للنهوض بقطاع الزراعة والتصدير. الهدف كان في تحقيق الربح للشركة وأن تعود الفائدة على الاقتصاد بشكل عام ضمن مبادئ العدالة التجاريه وحماية البيئة.
بدأت الحكاية منذ أن كنت أذهب مع والدي للعمل معه في مقر الشركة والمصنع الذي نمتلكه- يستهل صبحي عنبتاوي مدير تطوير الأعمال حديثه- فأنا أُعتبر من الجيل الثالث لهذه المنشأة. حيث كنت طفلا عندما كان والدي يُطلقني بين العمال وفي أروقة الشركة لأتعلم وأكتسب الخبره، وفعلا منذ ذلك الحين وأنا أحب هذا المصنع وأشعر بإرتباطي به وبمستقبله رغم أني انقطعت عنه لفترة عندما سافرت للتعليم الجامعي خارج البلاد. طموحي كان دائما في العوده والعمل في مشروع العائلة وتطويره. من الجدير بالذكر أن مجال الزراعة في فلسطين يعاني من تحديات عدة منها التقلب المناخي وشح مصادر المياه و الإستمرار في مصادرة الأراضي .العقبات المشار اليها حذت بالشركات الخاصه ووزارة الزراعه لمحاولة إبتكار أساليب حديثة تخفف من وطأة الأزمات المتوالية والمستمرة التي تواجه المزارعين وتواكب من خلالها المنتوجات العالمية.
يتابع صبحي :حسن الحظ بأن مجال عملنا مرتبط في المنتجات الزراعية الفلسطينية وخصوصا زيت الزيتون. كرت حينها بأن الربط سيكون مذهلا بين هذا المنتج الصحي وتوفيره بجودة عالية، خصوصا أن فلسطين تشتهر بزيت الزيتون الأفضل على مستوى العالم. الأهم في نظري، كان ليس فقط في تحقيق ربح لمشروع العائلة بل بالفائدة التي ستعود على المزارعين من أجل تطوير أساليبهم.
يسترجع بدايات مشروع الأرض ويقول صبحي: “في عام 2000 كان لدى والدي مقابله صحفية حيث كان يشغل منصب المدير التنفيذي لمجموعة عنبتاوي وسُئل حينها عن الذي يقدمه لدعم الإقتصاد الفلسطيني؟ فرد بأنه من خلال شركته فحسب، هو يدعم الإقتصاد. ولكن ذلك الرد لم يرضيه ، فنحن كعائله كنا دائما نهتم بقيم مساعدة المجتمع . فكر حينها في تحويل العمل لما هو أكثر من الإستيراد. كانت البيئة أنذاك مواتية لإنشاء منتوج فلسطيني ذو شخصية وهوية وينافس على مستوى العالم بهويته وإرثه. وهذا بالضبط ما أراده والدي حينها أن يفعل شيئا حقيقيا للنهوض في الإقتصاد الفلسطيني كان حينها يعمل في تجارة التبغ الى جانب الزيوت النباتيه وفكر في كيفية التحول الى مجال العمل في زيت الزيتون الذي يجمع العالم على جودته.
هكذا نشأ مشروع الأرض كشركه منتجه لزيت الزيتون بشكل رئيسي الى جانب منتجات أخرى طبيعية مثل الصابون والفريكة والمفتول والميراميه والزعتر. كان إعتمادنا دائما على المزارعين من مناطق الضفه الغربية في فلسطين مثل جنين ودير إستيا وقرية صرة وقرية تل، كما إعتمدنا بشكل كبير على الجميعات النسوية وأوجدنا إتفاقيات شراكه.
كنت ادرس في الجامعة أنذاك. كانت أول مواجهه حقيقه لي في هذا المجال عندما قررت عرض منتوجات شركة الأرض للبيع في احد المهرجانات في كندا. تحمست للفكره وإستأجرت طاولة وعرضت عليها منتجات شركتنا وقمت بالتوعية والدعاية. كم كنت سعيدا حينها بالعائد المالي البسيط الذي حصلت عليه، فقد ساعد في دفع مصاريفي للسكن في الجامعه وشعرت بالفخر بنفسي وبمُنتجنا الفلسطيني .حينها أدركت حجم الحب والشغف لهذا العمل وأني لا أرى نفسي سوى في تطوير هذا المجال.
بعد أن أنهى صبحي دراسته الجامعية عاد لتطويرالشركة. حينها بدأت مسيرة الحفاظ على إرث العائلة والعمل على تطويره. بحسب صبحى، لم يكن النجاح خياراً أبدا بل كان ضرورة. حينها قررالخوض في الأساليب الحديثه لتطوير هذا المجال، ووجد أن عالم المنتجات العضوية هوالأكثر رواجاً كما أن الحاجه الى الحفاظ على البيئة وخلق نمط حياة صحي هي أيضا ضرورة ملحة في هذه المرحلة.
يتابع صبحي “لم يكن الأمر سهلا في البداية- فقد وجدتُ الفكره ولكن كانت بحاجه الى إيجاد الوسيلة المثلى لتطبيقه. هنا تعرفت على الدكتور سامر جرار مستشار التطوير الزراعي، وقد تم تعينه حينها مستشارا للشركة للإستفاده من خبرته. كما تم طرح الفكره عليه والى أي مدى يمكن تطبيقها على محاصيلنا من زيت الزيتون للوصول الى الزيت ذو الجوده الأعلى ؟ كان ذلك في عام 2017. قمنا فعلا بوضع خطة تمثلت في عمل دراسة معمقه لتحويل المحاصيل الى عضوية الى جانب عمل الدعاية اللازمه وتوعية المزارعين وتقديم المساعدات المادية لهم وتطوير الألات والأساليب.
كان من ضمن الخطة الموضوعة جولة توعوية وتثقيفيه عالمية شملت بريطانيا وإيطاليا وألمانيا.في هذه الجولة حضر صبحى أهم المؤتمرات والمحاضرات في مجال الزراعة العضوية وقد تطلب الأمر عامان حتى أصبح على دراية في هذا المجال. رغم أن تخصصه الجامعي كان في مجال النقد والمال إلا أنه إستطاع الدمج مابين ما تعرف عليه في مجال الزراعه العضوية وتعلمه في مجال الإدارة المالية للمشروع.
يؤكد صبحي”هكذا بدأت مرحلة جديدة لمشروع الأرض. إن الأرض للفلسطيني ترمز لأشياء كثيره، لوجوده، وللزيتون الذي تحصل عليه من الأرض، وللأرض التي نتشارك بها نحن جميعا كبشر. التسمية حملت طموحي في تطوير مشروع متكامل يحقق دائره من المكاسب تبدأ من المزارع البسيط وتنتهي ليس فقط في المستهلك وبي كشركة مصدره بل وفي البيئة ذاتها . كان الحلم المتكامل بالنسبة لي !
يعقب مستشار الشركه سامر جرار: ” آمنت بصبحي لأني وجدت لديه ليس فقط الطموح والعلم ولكن وجدت لديه الشغف وهذه مقومات من النادر أن تجتمع”. يجمع صبحي مابين حداثة الحاضر وعراقة الماضي. فهو من الجيل الثالث لهذه المنشأة وهو أكبر مثال حي للقدره على التحول والتطور وتوظيف جميع الإمكانات في تحقيق النجاح.
رغم حقيقة أن العمل التجاري يعني الربح في الدرجه الأولى إلا انني وجدت أن فكرة صبحى المتكاملة في تحقيق المصلحه للجميع فكره موائمة للإمكانات كما أنها ليست مستحيلة، وهي ما نطمح له جميعنا من خلال هذا المشروع.
يتابع سامر النموذج الذي نبنيه هو نموذج تنموي مختلف مبنى على القيم العليا والشراكة وهناك معايوشفافية فائقة. كما لابد للتنويه بأن حالة إنعدام الثقه و الجنوح نحو الرأس ماليه كان المحفز لخلق هذا الإتجاه .عند الحديث عن الحال الفلسطيني لابد من ذكر أن المزارع الذي صمد في أرضه يستحق الدعم ، نحن لانتحدث هنا عن نظام إستثماري ومالي فحسب بل عن منظومة شراكة وعمل مجتمعية وثقافيه متكامله. فنحن لدينا التزام نحو البيئة، هذا النمط الذي نحاول خلقه في سبيل خلق بيئة صحية وتحقيق الربح في نفس الوقت للجميع.
يتابع صبحي موضحاً:”عندما بدأنا في مرحلة تطوير مشروع الأرض، كان الهاجس لدينا هو في كيفية المحافظة على كمية ومستوى محصول ذو جودة عاليه في حين اننا نتعامل مع منتوج يتأثر بعوامل المناخ والطبيعة ومن الصعب التنبوء بالمستجدات والنتائج. لذلك كان لابد من خلق وعي لدينا كعاملين ومستثمرين وأيضاً لدى المزارعين على حد سواء للوصول الى الجودة والثبات وتجاوز الخطر. في ذات الوقت كان هدفي في الإنتقال من نمط الإستثمارالتقليدي الى نمط الثقافه الخُضري، أي العضوي و أيضا العادل. كان الإهتمام كبير في أوروبا في هذا المجال. كما أن التثقيف والدراسات التي تجري هناك بهذا الخصوص مذهله ووصلت الى حدود لايمكن تصورها هنا في عالمنا العربي . إنها إستراتيجية متكاملة مابين الأخلاقيات والتحالفات وأهم عنصر الإستدامه، وهذا ما وصلنا له فعلا في مشروعنا في شركة الأرض فقد إستطعنا توحيد المزارعين وتلخيص إحتياجاتهم من ألات ومواد زراعية ومرافق ثم عملنا على جمع الأموال من خلال مشاريع كان على رأسها الإتحاد الأوروبي وخلقنا نظام شراكه وثقبدأ الأمر عندما عرض الإتحاد الأوروربي من خلال مشروع (خلق بيئة ممكنة لأعمال الإقتصاد الأخضر في فلسطين) في عام 2017 مساعدة شركتنا. التقينا أنذاك بأهدافنا مع أهداف المشروع في دعم قطاع الإقتصاد الأخضر الذي لا يستنفذ موارد البيئة . كان الأصل في الإبتعاد عن منهجية الرأس مالية ونظام المصلحة الخاصه وتداعياتها على المجتمع والبيئة والمزارعين.
.
يأتي المشروع الذي يدعمه الإتحاد الأوروبي وتنفذه Pal Trade في إطار مشاريع متعددة لدعم الإقتصاد الفلسطين فيما يواكب التوجه العالمي الصديق للبيئة. حرص المشروع على حلق تشبيك مع الشركات الأوروبية وفتح أسواق جديدة لهذه المنتجات العضوية. كما استهدف ثلاث قطاعات زراعية وهي زيت الزيتون والتمور والأعشاب باعتبارها الأكثر رواجا على مستوى العالم. فيما تقدمت شركة الأرض واستوفت الشروط وعملية التقيم من أجل تطوير عملها والحصول على شهادة المنتجات العضوية. إن المنتجات العضوية لا تعني الزراعة بأسلوب صحي وصديق للبيئة دون استخدام الأسمدة والمبيدات فقط بل يتعدى ذلك الى اتباع مبادئ التجارة العادلة وتوفير الطاقة وصحة الإنتاج بشكل عام.
عالما، تعتبر الثقافه العضوية فلسفة جديدة تعتمد مبدأ أن يكون الإنسان هو مركز المصلحه والفائدة فلا ضرر للبيئة أو احتكار للأسواق. هكذا قرر الإتحاد الأوروبي دعم شركة الأرض وشركات أخرى في الحصول على شهادة ترخيص عضوي. من الجدير بالذكر أن عملية الحصول على ترخيص المنتجات العضوية احتاج لثلاث سنوات من المراقبه والمتابعه. كما أن الإتحاد الأوروبي أيضا ساعد في نشر منتوجات الأرض من خلال مشاريع سابقه قام بها بالتوعية والدعايه والتشبيك مع شركاء أوروبين و حيث بلغ الدعم حينها 65 الف يورو.
يختتم صبحي: “أطمح لأن يكون هناك شراكه وتأثير إجتماعي واقتصادي وثبات للمنتج الفلسطيني في الأسواق العالميه. ذلك لن يحدث إلا بخلق منظومه مجتمعية متكامله من خلال نموذج عمل أخلاقي وترك اثر ونمط أيجابي يُحتذى به في المستقبل. نحن على أمل أن نوسع دائرة عملنا مع شركاء وجمعيات جديده. كما أننا اليوم، في صدد إنشاء تحالف “أرض فلسطين الخصبه” وهو تحالف يحقق جميع الأهداف النبيلة.
روابط EU Neighbours
وفد الاتحاد الأوروبي