رجاء هي أمّ عزباء لطفل واحد تعيش في مخيّم الزّعتري حيث تكابد لتغطية نفقاتها للشّتاء التّاسع على التّوالي وتخفي قدر الإمكان صراعاتها خلف ابتسامتها المشرقة وسحنتها الثابتة. بيد أنّ الأوضاع تحسّنت بالنّسبة لها في السّنوات الأخيرة لأنّها حصلت على عمل في مركز إعادة تدوير النّفايات الذي تشرف عليه منظّمة أوكسفام بتمويل من الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السّوريّة “مدد” لتجلب لها هذه الفرصة بصيص أمل بعد سنوات طويلة من اليأس ولتنجح أسرتها أخيرا في الاستجابة إلى كافّة احتياجاتها الأساسيّة.
فرّت رجاء (30 سنة) من مدينة درعه جنوب سوريا منذ سنة 2013 وتقول عن حياتها في المخيّم:” فصل الشتاء هنا شاقّ جّدا ويتسبّب لنا في المزيد من النّفقات والاجهاد”. رجاء اليوم هي العائل الوحيد لأسرتها المتكوّنة من 9 أفراد بما فيهم والديها وإخوتها و ابنتها ملاك البالغة 6 سنوات: ” عندما وصلنا إلى هنا أقمنا في خيمة لا تتوفّر فيها التّدفئة و كنا نلتحف الأغطية و نحضن بعضنا البعض بحثا عن الدّفء لكن حتّى في عربة القصدير التي نقيم فيها حاليّا يظلّ الشتاء في المهجر أكثر قسوة ممّا كان عليه في منزلنا لأنّ قطرات المطر عندما تتساقط على سقف العربة تحدث صوتا يشبه رشق الحجارة و الرّياح التي تتخلّل الشقوق تذكّرني بانفجار القنابل” و هو صوت لن تنساه قطّ مثل ذكرى فرارها من درعه :” دخل ابي إلى المنزل و طلب منّا أن نحزم أمتعتنا قبل الفرار من البلاد لأشعر بأسواء إحساس يخالجني على الاطلاق لأنّنا كنّا فارّين نحو المجهول”.
رغم المصاعب، نجحت رجاء في تحمّل المسؤوليّة وهي مصمّمة على الحفاظ على استقلاليّتها: “إثر طلاقي عدت إلى المخيّم وأنجبت ابتني هنا حيث كانت الأوضاع النفسيّة والماليّة صعبة للغاية لذلك لم أستطع الجلوس دون ايّ عمل، بل كان لا بدّ لي أن أفعل شيئا”.
الصّمود والعزيمة: السبيل نحو العمل
سجّلت رجاء للمشاركة في العديد من الورشات والدّورات التّدريبيّة التي تدريها وكالات المساعدة داخل المخيّم ونجحت في الحصول على عمل لدى منظّمة غير حكوميّة تنظّم أنشطة في المخيّم وأصبحت أوّل قائدة فريق في مركز إعادة تدوير النّفايات الذي تشرف عليه منظّمة أوكسفام.
يدخل المركز الذي يعمل بالتّعاون مع الوكالة الألمانيّة للتّعاون الدّولي في إطار مبادرة أطلقتها منظّمة أوكسفام لإعادة تدوير نفايات المخيّم وتوفير فرص عمل للاجئين مع الحدّ من كميّة النّفايات الموجّهة نحو مدافن القمامة. تولّى الاتحاد الأوروبي تمويل المبادرة عبر الصّندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السّوريّة “مدد” والوزارة الفدراليّة الالمانيّة للتّعاون الاقتصادي والتّنمية.
تستطيع رجاء من دخلها تغطية الكلفة الإضافيّة التي يتسبّب فيها فصل الشّتاء مثل نفقات التّدفئة والنّقل وملابس الشتاء: ” رغم قساوة الوضع أستطيع تدبير الأمر لأنّ غيري في المخيّم يعيش في ظروف أكثر قسوة” وهي تعتبر نفسها “محظوظة” لكونها تغطّي احتياجات أسرتها بينما الكثير عاجزون عن ذلك.
الاتّحاد الأوروبي وسوريا
يشكّل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المانح الأساسي للمساعدة الدوليّة لفائدة الجهات المتضرّرة من النّزاع في سوريا وقد عبّأ الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الأزمة سنة 2011 أكثر من 25 مليار يورو لدعم أشدّ الفئات السوريّة هشاشة داخل البلاد وعبر المنطقة. نظّم الاتّحاد الأوروبي لخمس سنوات متتالية من 2017 إلى 2021 مؤتمرات لدعم مستقبل سوريا والمنطقة مثّلت أهمّ التّظاهرات المخصّصة لتقديم التعهّدات لفائدة الأزمة السّوريّة. سنة 2021، عبّأت المفوضية الأوروبية أكثر من 141 مليون يورو كمساعدات إنسانية لتقديم الدّعم الحيوي لملايين السكّان داخل سوريا.
إضافة إلى مخصصاتها الأولية البالغة 130 مليون يورو، قدمت المفوضية أكثر من 10 مليون يورو لدعم السكّان الذين يعانون من أزمة المياه الحادة والجفاف في شمال سوريا كما يدعم التّمويل السكّان خلال فصل الشتاء. تمّ تخصيص مبلغ إضافيّ يساوي 1 مليون يورو للاستجابة إلى أزمة كوفيد-19.