رغبة منهما في دعم المصمّمين والحرفيين المحليين، أطلقت شقيقتان فلسطينيتان سيكو Syko، وهي مجموعة أزياء مسؤولة بيئيا تجمع بين العناية بالبيئة والتأثير الاجتماعي ودعم المجتمعات المحليّة. انتفع الثنائي من الدّعم الذي يوفّره برنامج ثقافة داير ما يدور المموّل من الاتحاد الأوروبي وهما ملتزمتان برفع الوعي إزاء حركة ” الموضة البطيئة” والتّرويج للاستهلاك المستدام والميسّر.
انتقلت الشّقيقتان ياسمين وسيرين خاص من بلد إلى آخر خلال كامل فترة الطّفولة ممّا جعلهما تشعران مبكرا بالحاجة إلى انتماء ثقافي. كانتا مفتونتان بجمال التّطريز و الحرف الفلسطينيّة ونجحتا أخيرا في تحقيق رغبتهما الدّفينة في اكتساب هويّة عندما رجعتا إلى مسقط رأسيهما رام الله في فلسطين.
البحث عن الهويّة: التّرويج للتّراث الفلسطيني المحلّي
تقول ياسمين: ” لأنّنا أُجبرنا على الهروب من بلد إلى آخر شعرنا بالحاجة للاعتزاز بتراثنا والتّرويج له وهو كذلك سبب من الأسباب التي جعلتنا نسعى إلى دعم الفنّانين والمصمّمين والحرفيّين المحلّيين. كنّا نريد حقّا أن نعرّف بثقافتنا المحليّة لدى الشّعب الفلسطينيّ ولبقيّة العالم”.
فكّرت الفنّانتان التّشكيليّتان معا في علامة تجاريّة للأزياء تعتمد كليّا على مواد فلسطينيّة ممّا من شأنه أن يدعم المشاريع المحليّة الصّغرى وكذلك المصمّمين والحرفيّين والنّساء لكنّ سعيهما توقّف سريعا عندما اطّلعتا على واقع البنية التحتيّة الفلسطينيّة.
تقول سيرين في هذا الصّدد:” أدركنا أنّ الموضة المستدامة كانت تمثّل مفهوما غريبا جدّا بالنّسبة إلى سكّان الضفّة الغربيّة وانّ الموارد محدودة جدّا ولم نستطع الحصول على المواد التي كنّا نحتاجها لتحقيق مشروعنا”.
لم تصب الشّقيقتان بالإحباط، بل غيّرتا وجهتيهما وحوّلتا المشروع إلى منصّة لمصمّمي و مصنّعي الموضة الرّاغبين في اعتناق مفهوم الموضة المستدامة و أطلقتا رسميّا Syko سنة 2018 ووصفتاها “بالمنصّة الفلسطينيّة المختصّة في الموضة المستدامة و في دعمها”.
سيكو Syko: الغوص شيئا فشيئا في الموضة المستدامة
تسعى الشقيقتان إلى تسليط الضّوء على مسألة الموضة المستدامة وذلك من خلال حملات للتّوعية بشأن الموضة الخالية من النّفايات ومن إهدار الموارد و تنظيم ورشات و حوارات مختلفة حول هذه المسألة و قد أشارتا إلى أنّهما تدركان الحاجة إلى تناول هذه المسائل أوّلا لأنّ مستويات الاهتمام بالجانب البيئي مازالت محدود بسبب الوضع الصّعب في البلاد كما خصّصتا قسما من منصّة Syko لأغراض التّثقيف حيث يستطيع المستخدمون الاطّلاع على الاختيارات المتوفّرة لهم في مجال اكساب الموضة بعدا أخلاقيّا.
في إطار مشاركتهما في مبادرات مدنيّة وثقافيّة يقودها الشباب تحت مظلّة برنامج ثقافة داير ما يدور، أنجزت ياسمين وسيرين دراسة مستفيضة لتقييم السّوق بيّنت أنّ قرابة 30% من النّاس مستعدّون لدعم هذه المبادرة :” قد تبدو هذه النّسبة محدودة و لا تشجّع على المواصلة لكن بالنّسبة لنا هي تعني أنّ لدينا مجالا واسعا لخلق شيء جديد و لإحداث تغيير في العقليّات”.
“نحن نؤمن بالحاجة إلى التّسريع في نسق حركة الاستهلاك المسؤول لتحقيق انتقال سريع نحو موضة أخلاقيّة وصديقة للبيئة لكن قبل النّجاح في ذلك يجب أن نبيّن للنّاس أن ذلك الاتّجاه سيعود أيضا عليهم بالنّفع حتى على المستوى الاقتصادي”.
يهدف مشروع Syko إلى توفير أساس متين للمؤسّسات التي تستخدم مواد محليّة من خلال تطوير بنية تحتية مناسبة وتغيير عقليّة المستهلكين ومنتجي الملابس في فلسطين لاعتناق مفهوم الاستدامة. لتحقيق ذلك الهدف، تبحث الشّقيقتان عن شراكات مبتكرة مع مؤسّسات وأفراد يعملون في مجال الفنّ والتّصميم والحرف:” نسعى دائما إلى إرساء روابط متينة من شأنها أن تساهم في دعم السّوق المحليّة من خلال التّعاون مع المشاريع الصّغرى”.
تعمل ياسمين وسيرين حاليّا على تنظيم معرض فريد من نوعه حول مستقبل الموضة في فلسطين سيوفّر دفعا إضافيّا للمصمّمين المحليّين الرّاغبين في اعتناق المفهوم والالتحاق بالحركة:” الموضة المستدامة هي طريقة للعيش نسعى إلى توسيع نطاقها قدر المستطاع وإلى جعلها تنطلق هنا في فلسطين”.
الدّرس الذي استفادت منه ياسمين وسيرين هو أنّ المصاعب تعلّمنا الكثير وتجعلنا نتكيّف مع ظروفنا:” لا تتوقّفوا عن المحاولة ولا تفقدوا الأمل أبدا لأنّ الحلول تتوفّر دائما لمواصلة الطّريق نحو تحقيق أحلامكم”.
ثقافة داير ما يدور هو برنامج تعاونيّ ومترابط يمتدّ على أربع سنوات ويهدف إلى إرساء بيئة ثقافيّة حيويّة لخلق إطار ملائم للاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب في سبع بلدان في المنطقة العربيّة. يشارك الاتحاد الأوروبي في تمويله تحت مظلّة ” الشراكات الدوليّة”، برنامج دعم الشباب و الثقافة في الجوار الجنوبي.
مبادرات ثقافيّة ومدنيّة للشباب هي واحد من المكوّنات الخمسة لبرنامج ثقافة داير ما يدور تتولّى تنفيذه المنظّمة غير الربحيّة التّونسيّة الشّارع فنّ. انطلق المشروع في شهر افريل 2021 وهو يسعى إلى تحسين النّفاذ إلى الثقافة وإطلاق حوار بين الثقافات عبر دعم المشاريع التّعاونيّة والفنيّة النّابعة من المجتمع المحلّي. يتولّى المشروع تحقيق أهدافه من خلال دعم مبادرات مدنيّة وثقافيّة يقودها الشباب عبر 32 منحة بحثيّة و 24 منحة انتاجيّة و عدد من المخابر التعاونيّة و توفير خدمات للتّوجيه والتّشبيك.