في قلب لواء الرمثا في محافظة إربد الأردنيّة، تعمل سناء الوردات على تغيير السرديّة النسويّة. بشعرها الأسود القاتم وروحها الصّامدة صمود الصّخور القديمة في موطنها، تتميّز سناء لا فقط لكونها السباكة الوحيدة في المنطقة بل وأيضا بسبب المسار الذي قطعته قبل أن تصل إلى ماهي عليه اليوم. تبلغ سناء الثلاثين من عمرها وهي المعيل الوحيد لأسرتها وتحمل على كتفيها ثقل آمال كافّة أفرادها.
عادة ما ترتبط أصوات الأنابيب وفنّ السباكة بعالم الرّجال لكنّ بالنسبة إلى سناء أصبحت تلك الأصوات تمثّل نشيدها الرّسمي للتّغيير. انطلقت سناء منذ بضعة أشهر في مسار مهنيّ جديد كسبّاكة وذلك بفضل المبادرة الأوروبيّة EDU-Syria التي مثّلت لها بوّابة نحو التّعليم والتّدريب التّقني والمهني. لم يكن الأمر مجرّد فرصة لتعلّم مهارة جديدة بل مغامرة أعادت من خلالها تشكيل مصيرها.
لم تتعلّم سناء من خلال التّدريب السباكة فحسب بل اكتسبت مهارات في مجال المحاسبة مكّنتها من الخروج بأسرتها من وضعيّة عدم الاستقرار المالي التي كانت تعيشها. قالت لنا بنبرة تعكس كل الامتنان الذي تشعر به إزاء التّغيير الجوهري الذي عرفته حياتها:” غيّر هذا التدريب مجرى حياتي. زوجي عامل يوميّ وقد تمرّ ايّام عديدة دون أن يحصل على عمل وكنّا أحيانا في البيت لا نجد شيئا نأكله. أمّا اليوم فقد تغير كل شيء. كنت خجولة ومنطوية، لكنّ التدريب والعمل الذي أمارسه منذ ذلك الحين منحاني الكثير من الثقة بالنفس”.
لقد ولّت الأيّام التي كان فيها أفراد أسرة سناء ينامون ببطون خاوية وهم يناشدون القدر أن يغيّر أوضاعهم وأصبحت سناء بفضل المهارات الجديدة التي اكتسبتها العائل لأسرتها. قالت سناء مبتسمة ونظرتها تعكس نهرا من الثقة لا ينضب لم تكن ابدا تفكّر أنّها تحمله في شخصيّتها:” أفراد أسرتي يدركون جيّدا انّني الرّكيزة التي يستطيعون الاستناد إليها”.
عملا بالأعراف والتّقاليد التي يفرضها المجتمع، تتردد العديد من النساء في دعوة سبّاك إلى المنزل لإنجاز العمل المطلوب. وتفاديا منهنّ لهذا الاشكال، أصبحت سناء تمثّل الحل الذي تفكّرن فيه حيث مدّت سناء الجسور وأسقطت العراقيل لتكوّن مجموعة موسّعة من الزّبائن المخلصين ضمن النّساء اللاتي لا ترين فيها السباكة فقط بل هي أيضا الحليف الذي تثقن و قد قالت لنا سناء في هذا السّياق: ” لا شكّ في أنّ السّوق في المنطقة تتطلّب العديد من المختصّات في السباكة”.
ماذا عن سمعة سناء؟ ناصعة، لا غبار عليها حيث نالت احترام التجّار والمزوّدين وأصبحوا يبادرون بتقديم العروض التجاريّة والأسعار الجيّدة لها ممّا يدلّ حتما على مكانتها ضمنهم وقد قالت لنا سناء ضاحكة: ” هم يعرفون من أنا لذلك أصبحوا يمنحوني أسعارا تفاضليّة!”
لا تقف أحلام سناء هنا بل هي تتطلّع إلى بعث مشروعها الخاصّ ليكون ملاذا للنّساء مثلها اللاتي تؤمنّ استقلاليتهنّ بكدّ سواعدهنّ.
التعليم والتدريب التقني والمهني لفائدة النّساء: محفّز للشموليّة والنموّ الاقتصادي
يعترف الاتحاد الأوروبي وأعضاء المجمع المشرف على تنفيذ برنامج EDU Syria بأهميّة تمكين المرأة في القطاعات التي عادة ما يهيمن عليها الرجال و يندرج هذا التركيز على الشمولية في رؤية أوسع تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز تمكين المرأة.
للمناصرة الفعليّة لفائدة المساواة بين الجنسين لا بد من العمل على تفكيك الصّور النمطيّة البالية التي تحدّ نطاق المرأة وتحصرها في أدوار ومهن معيّنة لذلك عندما نتوجّه نحو التّعليم والتّدريب التقني والمهني المخصّص للنّساء في قطاعات مثل السباكة فنحن نمكنهنّ من مهارات متنوّعة ونتحدّى في ذات الوقت المعايير المجتمعيّة وهي مبادرات تساهم في تغيير المجتمع كي يتخلّى عن توزيع الفرص حسب جنس أفراده.
كما أنّ مشاركة المرأة في القوة العاملة تشكّل محرّكا للنموّ الاقتصادي ويدعم انخراطها المتنامي الاستقلاليّة الماليّة ويحدّ من الفقر داخل الأسر مع تحسين المشهد الاقتصادي العام إضافة إلى أنّ إدماج المرأة في القطاعات المنحصرة عادة على الرّجال من شأنه أن يساهم في تنوّع المهارات المتوفّرة لدى اليد العاملة و في توفّر المواهب التي تغذّي بدورها الابتكار و الانتاجيّة و القدرة على حلّ المشاكل صلب الاختصاصات المعنيّة و في المناطق التي تعرف نقصا في الحرفيّين المهرة يمكن أن يفضي تدريب المرأة إلى سدّ تلك الفجوات وضخّ المزيد من الحيويّة ضمن القوى العاملة.
مدّ الجسور مع المجتمعات المحليّة: تمكين اللاجئين والمجتمعات المحليّة المستضيفة لهم من خلال برنامج EDU Syria
أبرزت فيكي واترشوت، مديرة مشروع التّعليم لدى بعثة الاتحاد الأوروبي في الأردن أهميّة إدماج المجتمعات المحليّة المستضيفة للاجئين في البرامج المعتمدة مبدئيّا لفائدة اللاجئين وقالت في هذا الصّدد:” يكتسي هذا الجانب أهميّة قصوى لأسباب مختلفة من بينها المعارف والخبرة المشتركة ودفع التّماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة وتعزيز التّكامل الاقتصادي”.
وفي الواقع، بإمكان المجتمعات المحليّة المستضيفة، بخبرتها الثقافية والمهنية الواسعة، إضافة إلى فهمها للسياق الاجتماعي والاقتصادي المحلي، أن تفيد اللاجئين بشكل كبير حيث تستطيع توفير المعارف العمليّة والتّوجيه ويمكنها أيضا سدّ الفجوات الثقافيّة المحتملة و يمكن أيضا من خلال تشريك المجتمعات المحليّة ضمان التّفاهم و الحدّ من الخلافات و الشّعور بالاغتراب و هو الطّريق الأفضل نحو الإحاطة باللاجئين و مدّ الجسور الثقافيّة و تمتين التّفاهم المتبادل و لا شكّ في أنّ الشموليّة تمنع نشوب النّزاعات و تغذّي الإحساس بالوحدة و الصّمود المشترك صلب المجتمع.
أضافت فيكي: ” كما يضمن إشراك المجتمع المحلّي المستضيف توافق المبادرات مع مشاريع التنمية الإقليمية الأخرى ويؤمّن هذا النهج مساهمة الجهود المبذولة لدعم اللاجئين السوريين في النمو الشّامل وتنمية المنطقة دون إهمال المجتمع المحلّي الذي يستطيع الاضطلاع بدور حاسم في دمج اللاجئين في الاقتصاد المحلّي وتيسير دخولهم إلى السّوق لفائدة النموّ الاقتصادي المتبادل”.
انطلقت منذ سنة 2015 العديد من مشاريع التعليم والتدريب التقني والمهني تحت مظلّة مبادرة EDU-Syria يمتدّ إنجاز البعض منها حتّى سنة 2028. بالتّعاون مع كلية لومينوس الجامعيّة التقنية في الأردن، مكّنت البرامج التّدريبيّة ما يزيد عن ألف شخص من مهارات جديدة وفرص للدّخل ومن المنتظر أن يرتفع عدد المنتفعين ليتجاوز كلّ التوقّعات.