ToukaCreation هي علامة تجارية رأت النّور يوم 18 أوت/أغسطس 2022 ، بفضل الخيال الشّاسع لمريم هلالي، صاحبة الفكرة. تختصّ العلامة في الترويج لصناعات الحلفاء وهي نبتة ذات ميزات فريدة وأصيلة. برزت ToukaCreation بمنتجاتها الاستثنائيّة من المواد الزخرفيّة إلى المفروشات الأرضيّة واللوازم المختلفة، المصنوعة كلّها في كنف الاحترام المطلق للطّبيعة وللثقافة المحليّة. يجسد عمل مريم عصارة الفن التونسي ويسلط الضوء على المعرفة التقليدية مع إضفاء لمسة عصرية وأنيقة على كل إبداع.
بداية رحلة مريم: تحويل التراث إلى الفرص
انطلقت رحلة مريم سنة 2021، في خضم الحجر الصحّي بسبب جائحة كوفيد. بينما كانت تقبع في منزلها، بدأت في إنجاز قطع من التّراث ونسج ألياف الحلفاء لإنجاز تصميمات معقدة. باعت في البداية إبداعاتها إلى البعض من أصدقائها وأناس تعرفهم عبر صفحتها على فيسبوك. قالت لنا مريم عن بداياتها: “تعلمت تقنية النّسج من والدتي “ثم تلقّيت بالطّبع تدريبا رسميا وحصلت على شهادة، لكن والدتي هي التي علمتني”.
بدأت رحلة مريم مع تونس الإبداعية عندما لفت مشروعها المتواضع انتباه بعض أعضاء فريق تونس الإبداعية الذين اكتشفوا صفحة مريم على الفيسبوك وتبيّنوا ما يحمله عملها من إمكانات. تواصلوا مع مريم وحثّوها على تقديم ملفّها إلى تونس الإبداعية لإضفاء الطابع المهني على حرفتها. ترددت مريم في البداية: ” أنا أم وربة بيت وكنت أفكّر مليّا في بيتي وفي أطفالي؟” لكن تشجيع تونس الابداعيّة كان ثابتا وبحلول نهاية 2022، انضمّت مريم إلى مجمع الحلفاء.
كان أول ظهور كبير لها بمناسبة معرض الصّناعات التقليديّة في الكرم لسنة 2022 وهو حدث مرموق يقام سنويا في تونس. عرض الحرفيون من جميع أنحاء البلاد أعمالهم وكانت مريم سعيدة لكنها شعرت بقلق عميق: ” كان أوّل معرض أشارك فيه ومفاجأة كبرى أيضا حيث بعت كلّ القطع التي أعددتها ولم أعد إلى البيت بأيّ منها “. ساهم هذا النّجاح في طمأنة مريم وكان بداية لمرحلة جديدة في حياتها و في حياة ورشتها ToukaCreation.
بعد المعرض، عادت مريم إلى المنزل محمّلة بكمّ من الطلبيّات تقدّم بها الزبائن المعجبون بعملها: “لم يكن لدي ما يكفي من اليد العاملة وكنت أدرك جيّدا أنّ احترام مواعيد التّسليم أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الزّبائن”. فور عودتها، بدأت مريم في الاتّصال بالحرفيّات المحليّات اللاتي لهنّ معرفة بصناعة الحلفاء وحتّى إن لم تكنّ من الحرفيّات الماهرات، عرضت عليهنّ المساعدة لتحسين مهاراتهنّ وتصحيح الأخطاء. بالعمل سويّا، تمكّنت المجموعة بسرعة من الاستجابة إلى كافّة الطلبيّات وأخذت الطلبيّات الجديدة تتدفق من جميع أنحاء البلاد.
تونس الابداعيّة وتمكين ToukaCreation
ToukaCreation هي واحدة من العديد من المشاريع الحرفية التي يدعمها مجمع الحلفاء ضمن مشروع تونس الابداعيّة وهو مجمع مختصّ في الحفاظ على التّقنيات التقليديّة للنّسيج في المنطقة. تحتلّ الهضاب العالية في الوسط الغربي للبلاد التّونسيّة، حيث يتم جمع الحلفاء ومعالجتها، مكانة خاصة في قلب مريم. وقد تناقلت التّقنيات الشاقّة لنسج ألياف الحلفاء وتنضيدها عبر الأجيال، وكانت مريم عاقدة العزم على الحفاظ على ذلك التّراث وعلى ضمان انتقاله من جيل إلى آخر.
من خلال تونس الابداعيّة، تحوّلت ورشتها مؤخّرا إلى فضاء عصريّ وعمليّ وتقول مريم في هذا الصّدد: ” تولّى مشروع تونس الابداعيّة بكلّ سخاء تجهيز الورشة وبفضل تلك المبادرات تحوّلت ورشتنا إلى فضاء ملائم للابتكار والنموّ”. تونس الابداعيّة هو مشروع يندرج في إطار برنامج تونس وجهتنا المموّل من الاتحاد الأوروبي. يعمل المشروع على تعزيز سلاسل القيمة في مجال الحرف والتّصميم في تونس ويهدف إلى دعم القدرة التنافسيّة لقطاع الصناعات التقليديّة والتّصميم لضمان تنويع المنتجات والنّفاذ إلى الأسواق الوطنية والدولية.
مشروع تونس الابداعيّة مموّل من الاتّحاد الأوروبي بمساهمة ماليّة من الوكالة الايطاليّة للتّعاون التّنموي وتشرف على تنفيذه منظّمة الأمم المتّحدة للتّنمية الصناعيّة.
يدعم المشروع سبعة مجامع ويقدم المساعدة التقنيّة لدعم الهياكل والكيانات الاقتصادية الأخرى والجمعيات في مجال الحرف والتصميم كما يعمل على إنشاء مراكز تهدف إلى تحسين القدرة التنافسية للقطاع في جميع أنحاء البلاد. يهدف هذا النهج الشامل والمتكامل إلى دعم الاقتصاد التونسي من خلال خلق فرص عمل لائقة ومستدامة، خاصة للشباب والنساء.
توسّع ToukaCreation: تمكين النّساء من خلال التّدريب
أشرفت مريم هلالي إلى حدّ الآن على تدريب أكثر من 60 امرأة، مما حول ورشة عملها إلى مركز حيوي للتعاون وقد اضطلع مشروع تونس الإبداعية بدور حاسم في هذا التوسع، حيث دعم برامج التدريب، مع التركيز بشكل خاص على تمكين الشابات. في هذا الصّدد، قالت لنا مريم بكلّ فخر: “تدربت 15 شابّة عزباء على مدى شهرين وهنّ الآن تعملن معي”.
لا يعمل جميع المتعاونين بشكل مستمرّ مع مريم لكنّها تستطيع تعبئتهم بسرعة عندما تتلقّى طلبيّات كبيرة الحجم لتنتهي من الإنتاج في غضون أسبوع أو أسبوعين في أغلب الحالات. بفضل هذه المرونة والتّفاني في العمل، استطاعت مريم أن تحصل على عدد من الزبائن القارّين بما في ذلك المتاجر الكبرى في تونس وصفاقس وسوسة. تتزوّد هذه المتاجر بكميات هامّة من منتجات الحلفاء وتعرضها للبيع ثمّ تعود بشكل مستمرّ لتقديم المزيد من الطلبات. تقول مريم مسلّطة الضّوء على الطّلب المتواصل على ابداعاتها: “تشتري المتاجر كمية كبيرة جدا وتنجح في بيعها قبل العودة لطلب المزيد”.
شكّلت نسخة سنة 2023 من معرض الكرم خطوة فارقة جديدة بالنّسبة لعلامة ToukaCreation ميّزها النّجاح الباهر لجناح مريم التي قالت بحماس:” بعت كلّ المنتجات التي جلبتها معي!”. وكثيرا ما يثني زبائنها على اللمسة الشخصية التي تضفيها على أعمالها: «يقول لي الزّبائن دائما أنّهم يحبّون العلاقة التي نبنيها فيما بيننا وطريقتي في التعرّف على القطع التي يحبّونها ويبحثون عنها. أنا أحاول دوما العثور على أفضل قطعة وتلك الأنسب للزّبون ولا أبحث حتما عن أرفعها ثمنا “. لا يقتصر هذا النهج المدروس على بناء ثقة الزبائن بل يعزز أيضا سمعة ToukaCreation كعلامة تجارية مرتبطة بعمق جذورها وتسعى إلى تكريس الجودة ورضا الزبائن.
المسار المبتكر للمضيّ قدما
بدأت مريم مؤّخّرا في العمل مع المصمّمة مريم النّايلي وقد حظي هذا التّعاون بتغطية إعلاميّة واسعة النّطاق. وبدعم من تونس الإبداعية، أعدّ الثنائي مجموعة من منتجات الحلفاء بعنوان “إفريقية”، تمزج بين التقاليد والتصميم الحديث و عمل فريق ToukaCreation ، تحت الاشراف الفنيّ لمريم النّايلي وبدعم من فريق تونس الإبداعية ، على إحياء قطع فريدة تعرض مزيجا متناغما من الأشكال المعاصرة والتراث الحرفي.
تقول مريم هلالي في هذا الصّدد: ” مكّنتنا مريم النّايلي من أفكار جديدة وساعدت على تجديد العمل. كانت أفكارها حقّا عبقريّة فيما يتعلّق بتخضيب الحلفاء بالألوان الطبيعيّة وإنشاء تصاميم مثل أوراق الزّيتون والصبّار التي تذكّرنا بالمناطق الطبيعيّة المحيطة بنا”.
لم تتوقف طاقات مريم الابتكاريّة عند هذا الحد بل استوحت من نفايات الأقمشة التي ينتجها مصنع قريب حيث يعمل شقيقها، وقررت دمج الأقمشة في ابداعاتها من مادّة الحلفاء وهي تعمل حاليّا على هذا الخط الإنتاجي الجديد مع التركيز على الاستدامة والابتكار والحفاظ على جوهر نشاطها الحرفي المتمثّل في نسج ألياف الحلفاء: ” أنا معجبة كثيرا بفكرة إعادة التدوير وخلق شيء جديد من النفايات”.
لا تكتفي مريم، من خلال ToukaCreation، بالحفاظ على جانب ثمين من تراثها بل تغذّي أيضا الشّغف بهذه الحرفة لدى الجيل القادم حيث تنسج خيوط التّقاليد والابتكار والاستدامة مستقبلا مشرقا لألياف الحلفاء،