حوار. إضافة إلى التحدّيات العديدة التي يعرفها الصّحفي عادة في عمله أصبح اليوم مدعوّ إلى اعتبار الكثير من المظاهر الجديدة التي تزيد من تعقيد مهمّته مثل التّضليل الاعلاميّ والأخبار الكاذبة وجائحة كورونا. في لقاء مع الصحفيّة الاستقصائيّة التّونسيّة، حنان زبيس التي تحصّلت سنة 2014 على جائزة سمير قصير لحريّة الصّحافة تمّ تنظيمه بمناسبة اليوم العالمي لحريّة الصّحافة الموافق ليوم 3 ماي/ماي عادت الصحفيّة على هذا الوضع الجديد وحلّلت التّضليل الإعلامي بالرّجوع إلى مصادره وتداعياته كما تصوّرت لقاء يجمعها بسمير قصير، الصحفيّ والكاتب اللبناني الذي ناضل طويلا من أجل الحريّات ومنح اسمه لمسابقة التميّز في الصّحافة التي ينظّمها الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2006.
إلى ايّ مدى ساهمت جائحة كوفيد-19 في تضخيم ظاهرة التّضليل الإعلامي؟
حنان زبيس: عندما اندلعت جائحة كوفيد-19 سنة 2020 كانت المعلومات الموثوقة حول هذا الفيروس الجديد وتطوره محدودة، فعلى سبيل المثال، لم يكن أحد يعرف بالتّحديد منشأ الفيروس وتأثيره على الانسان وكان غياب المعلومات المثبتة سببا في انتشار الشعور بالخوف والذعر بين الناس ممّا خلق بيئة ملائمة لتنامي الأخبار الزّائفة وشهدنا بذلك كمّا هائلا من المعلومات، الصحيحة والخاطئة، ينتشر بسرعة فائقة عبر شبكات التّواصل الاجتماعي. في ذلك الوقت، كان العلماء يعملون على تبيّن خصائص الفيروس ولم يتجاوزوا بعد مرحلة البحث فلم يتمكّنوا من تقديم إجابات رسمية ومقنعة مما زاد في تأجيج المخاوف لدى عامّة النّاس. أدى نقص المعلومات الموثوقة والحاجة الملحّة الى من يبعث الطّمأنينة في النّاس إلى لجوء العديد في جميع أنحاء العالم إلى نظرّيات المؤامرة والشائعات المتداولة على الإنترنت. إضافة إلى ذلك، أعتقد أن الصحفيين لم يضطلعوا بدورهم على نحو جيد في مكافحة التّضليل الاعلامي لأنّ أغلبهم لم يكن مستعدّا للعمل على تغطية هذا النوع من الجائحة ولم يكن المختصّون من بينهم في الصّحافة العلميّة سوى قلّة مع عدد محدود جدّا من المتضلّعين في المحاور المتّصلة بالصحّة. كان لهذا الوضع أثر واضح على نوعية التغطية الصحفية للجائحة التي لم ترقى إلى تطلّعات الجمهور كما أنّ العديد من وسائل الاعلام تناقلت وتبنّت بدورها نظريّات المؤامرة وبعض الأخبار الزّائفة ممّا ساهم في تضخيم الظّاهرة.
هل تضرّ الأخبار الزّائفة بحريّة الصّحافة وبحريّة التّعبير؟
طبعا! تعني حرية التعبير في جوهرها الوصول إلى معلومات محقّقة وموثوقة تمكّن الجمهور العريض من فهم قضايا وأحداث واقعه حتى يتمكن من مواجهتها. وتتقاسم الديكتاتوريات هدفا مشتركا يتمثّل في منع الشعوب من الوصول إلى أي معلومات موثوقة لتستمرّ في فرض سيطرتها. لكنّ عالمنا اليوم يشهد تتدفق البيانات بسهولة وبفضل شبكات التّواصل الاجتماعي يستطيع كلّ مواطن التعبير عمّا يفكّر فيه وما يختلج في ذهنه وبالتالي إنشاء المعلومات. وبذلك تغيّرت المسألة المطروحة وأصبحت تتمثّل في السعي إلى تحديد المعلومات الموثوقة ضمن محيط من البيانات التي تنشر باستمرار وهنا بالذّات يكمن الخطر على حرية التعبير وعلى الديمقراطية ككل. فعندما لا يكون الجمهور مهيّأ للتمييز بين المعلومات الصّحيحة وتلك الخاطئة وإذا لا تضطلع وسائل الإعلام بدورها كاملا في إنتاج مادّة صحفيّة تمّ التحقق منها، تفقد حرية التعبير كل معناها. في تلك الحالة لن تنقل سوى الأخبار الزّائفة وهو ما يعني فوز خطاب العاطفة على الخطاب العقلاني والبنّاء.
تصوّري أنّك جالسة قبالة الفقيد سمير قصير، ما الذي تقولينه له؟
بصراحة، قبل الحصول على جائزة سمير قصير سنة 2014 عن التّحقيق الذي أنجزته حول رياض الأطفال القرآنية في تونس، كنت أعرف الجائزة أكثر من معرفتي بالرّجل. ثمّ بدأت أهتم بهذه الشخصية البارزة في الصحافة العربية لأنّ خيطا رفيعا أصبح يربطنا وسيربطنا إلى الأبد. عندها أدركت حجم نضال سمير قصير من أجل حرية التعبير ومن أجل استقلال بلاده عن أي هيمنة خارجية. خاض هذا الصحفي والكاتب اللبناني اللامع والنّاشط المتحمّس نضالاته على الورق وعلى الميدان ممّا كلّفه حياته ولو كنت اليوم أجلس قبالته كنت سأقول له:” شكرا لأنك رسمت أمامنا طريق الالتزام بصحافة مهنيّة في خدمة قضية عادلة وشكرا أيضا على دفاعك حتّى آخر رمق في حياتك على قيم الحريّة والدّيمقراطيّة والعدالة”. كنت سأقول له أيضا أنّ الصحفيّين العرب سيسلكون نفس الدّرب الذي سلكه نحو الالتزام والحريّة إذ تتمثّل مهمّتنا في النّهوض بالصحافة المستقلة والمهنية لصالح الجمهور العريض والقضايا العادلة ونحن ملتزمون بالدفاع عن حرية التعبير ضد كل أشكال الديكتاتورية أو القمع.
جائزة سمير قصير لحريّة الصّحافة
يتولّى الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2006 تنظيم المسابقة ومنح جائزة سمير قصير لحريّة التّعبير بالاشتراك مع مؤسّسة سمير قصير. تشيد الجائزة بالصحفي السياسي والمؤرخ والكاتب اللبناني الذي دفع حياته ثمنا لنشاطه. تهدف جائزة سمير قصير إلى “إضفاء الشرعية على حرية الفكر وتشجيع حرية الصحافة في البلدان التي وقعت على الشراكة الأورومتوسطيّة تكريسا لرفضها للعنف والترهيب والتهديد وجميع المحاولات المتكررة والمستمرة لعرقلة حرية التعبير”. تكافئ الجائزة الصحفيّين من الجزائر والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان وفلسطين وقطر وسوريا وتونس واليمن، من العاملين على تغطية مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان و الحوكمة الرّشيدة وسيادة القانون ومكافحة الفساد وحرية التعبير والتنمية الديمقراطية ومشاركة المواطنين. منذ النّسخة الأولى من المسابقة سنة 2006، تمّ تسليم 37 جائزة لـ 36 صحفيا وباحثا من بينهم 22 رجلا و15 امرأة. يوجد ضمن الفائزين صحفيّون في المنفى وغيرهم ممن واجهوا مخاطر كبيرة في ممارستهم لمهامّهم وممّن عرفوا الاضطهاد والحدّ من حرّيتهم في التّعبير وتهديدات لحياتهم.