المشروع الأوروبي “دورك” ساعدني على التحكّم في آلامي

مارس 14, 2019
مشاركة في

في الشياح، شاركت فاتن المرهي، 39 سنة، في ورشات تدريبيّة في اختصاص الخزف والتّزويق في إطار مشروع دورك (تفعيل دور المرأة – إصلاح، دمج وتعزيز الثقة) المموّل من قبل الاتّحاد الأوروبي بقرابة مليون يورو والهادف إلى دعم قدرات المرأة في لبنان للقضاء على الفقر ولدفع المساواة بين الجنسين. تبيع فاتن  بعض منتجاتها لتتمكّن من دخل إضافيّ لا يستهان به فهي تتولّى بمفردها منذ وفاة زوجها تربية طفليها بدخل شهريّ يناهز 500 ألف ليرة (290 يورو). هذه قصّتها.

” عندما كنت في المدرسة التّحضيريّة كان أحد اساتذتنا لا يتوقّف عن شتمنا وتحقيرنا وكان ذلك يثير حفيظتي إلى درجة قرّرت فيها يومًا مغادرة المدرسة دون عودة وكان ذلك قبل حصولي على الشهادة الاعداديّة ووجدت نفسي في سنّ الثالثة عشر في البيت. 

عشت في قرية في جنوب لبنان وكنت أقضّي وقتي كما يقضّي جميع القرويّين وقتهم لأعتني بالحديقة وبالمنزل وادخّن الشيشة من حين لآخر مع الجيران ولم أكن في تلك الفترة أحمل داخلي أيّ حلم. كان ابي وأمّي من جيل آخر له عقليّة مختلفة ولم يجعلونا نفكّر يوما أنّه يمكننا أن ننجز شيئًا ما في حياتنا. شعرت بالملل إلى أن بلغت التاسعة عشر حيث التقيت بشاب من بيروت جاء للمشاركة في دورة لكرة القدم قريبًا من قريتي. أحبّني ذلك الشاب وطلب منّي الزّواج ففكّرت أنّ الزّواج قد يخرجني من وضعي وقبلت طلبه لنتزوّج ونستقرّ في بيروت.

 

أثمر زواجنا عن طفلين الأكبر هو “فادي” الذي يبلغ اليوم خمسة عشر سنة. منذ سنّ الرّابعة تطلّب وضعه الصحيّ أن نسجّله في مؤسّسة مختصّة لأنّه مصاب بنوع حادّ من أنواع التوحّد ويمكن في بعض الأحيان أن تكون ردود فعله عنيفة وأن يتملّكه الغضب إذا لم نفهم ما يريد أن يقوله لنا ويصل به ذلك إلى حدّ ضربنا.

لذلك عندما رزقت بابني الثاني “لبنان” بحثت بسرعة عن محضنة لتسجيله فيها كي لا يتأثّر بتصرّفات أخيه.

في تلك الفترة التقيت بجورجات عزار، مديرة المنظّمة غير الحكوميّة “صوت المرأة اللبنانيّة” التي تمدّ يد المساعدة للأسر التي تواجه صعوبات بما في ذلك توفير خدمات الحضانة لمن هم في حاجة لها. سمحت لي جورجات بتسجيل لبنان في المحضنة منذ سنّ الثانية وبدون مقابل لأنّها تعلم أنّ مواردنا كانت محدودة فأنا  لم أكن أشتغل وزوجي كان نجّارًا وكانت توجّه لنا دائمًا الدّعوة للحضور نحن وطفلينا في الأنشطة التي ينظّمها المركز مجانًا.

خلال شهر أكتوبر الفارط، حدّثتني جورجات عن ورشة للخزف والتّزويق تدور في دار الرّعاية بتمويل من الاتحاد الأوروبي. في تلك الفترة كان زوجي قد توفّي بسبب سرطان سريع الانتشار وكنت في حاجة للتّخفيف عن الضّغط الذي أشعر به فقرّرت المشاركة.  

أثّر وفاة زوجي كثيرا على فادي الذي كانت له خلال السّنوات الأخيرة علاقة وطيدة معه فهو الذي كان يتولّى تغيير حفّاظات فادي وكان يأخذه معه للنّزهة ويعتني به… لذلك أصابه المزيد من الاضطراب بعد موت أبيه.

ساعدتني ورشات الابتكار كثيرا على الحدّ من الضّغوطات التي كنت أعيشها.

تعلّمت تقنيات الرّسم واستخدام الخشب والورق المقوّى وفنون التّزويق لصناعة لوحات وأواني وكان لذلك وقع إيجابيّ على نفسيّتي وتمكّنت من توظيف ألمي لأنجز شيئًا مفيدًا وأصبحت الأنشطة بمثابة العلاج فعندما أكون داخل الورشة لا أفكّر في شيء غير الابتكار.

اخترت رسم القدّيس شربل في العديد من لوحاتي لأنّه أنقذ ابني لبنان الذي أصيب في سنّ الثانية بمرض خطير يجعل بطنه ينتفخ بينما باقي جسمه نحيف جدًّا وفي الوقت الذي بدأ فيه أترابه يقطعون خطواتهم الأولى لم يكن لبنان يستطيع الوقوف وقال لنا الأطبّاء أن أمله في الحياة لا يتجازر نسبة 10%. ذات يوم نصحتني جارتي بالذّهاب إلى مقام القدّيس شربل وقمت بذلك فعلا وحدث منذ اليوم الموالي للزّيارة أمر غير عاديّ إذ سمعت صوتا مثل الانفجار في بطن لبنان فسألته هل هو يشعر بألم لكنّه قال لي أنّ كلّ شيء على ما يرام ثمّ رايته يقف وينطلق جاريًا نحو المطبخ! أخذته للمستشفى فتعجّب الطّبيب وسألني ما الذي فعلته لأنّ لبنان قد تعافى.

منذ ذلك الوقت أصبحت أصلّي في الكنيسة رغم انّني مسلمة، أليس الله واحدًا إن كنّا من المسيحيّن أو المسلمين؟

شرعت منذ شهر في العمل لدى كاتب عدل لأساعده في مكتبه على تحضير القهوة وأعمال التّنظيف وأعمال أخرى من هذا القبيل. لم أستطع أبدًا العمل في السّابق حتّى وإن كنت أرغب في ذلك لأنّ حالة فادي لم تكن تسمح لي بذلك وأنا الآن اتدرّب شيئًا فشيئًا على نسق جديد في حياتي. لقد رسمت لوحة لأهديها لمشغّلي.

أنا أحلم بمواصلة التعلّم وبأن أطوّر نفسي  ولما لا الحصول على شهادة. أحلم بتعلّم اللغة الانجليزيّة واللغة الفرنسيّة وأحلم بأن أصبح قادرةً على استعمال الحاسوب فهذه مهارات قد تمكّنني من أن أعمل سكرتارة وأن أتمتّع بالتّغطية الاجتماعيّة مع طفليّ لتكون لنا بمثابة التّأمين في الحياة.

أعيش اليوم بمبلغ 500 ألف ليرة شهريًّا دون أن أحصل على مساعدة من ايّ كان ولذلك لا بدّ لي أن أحرم نفسي من كلّ شيء تقريبًا لأوفّر ما تبقّى لطفليّ كما تفعل كلّ أمّ. 
أريد أن يعيش فادي ولبنان مثل أبناء الوزراء حتّى وإن لم يكن لنا أيّ شيء. لحسن حظّنا إيجار بيتنا قديم كما أنّ صاحب البيت رحيم ومتساهل معنا فأنا انقطعت عن الخلاص منذ أشهر ولم يعمد إلى طردنا لكنّني أتساءل إلى متى؟  بما أنّ راتبي ضعيف فلو تمكّنت من بيع لوحة أو لوحتين سيُحدث ذلك فرقًا شاسعًا في حياتنا اليوميّة. 
لقد بيّنت لي الورشات أيضًا أنّني أمتلك طاقات لا تنفذ حيث اكتشفت أنّني عندما أعقد العزم على فعل شيء أستطيع فعلًا تحقيقه. 
فلو قرّرت مثلاً في يوم ما فتح مغازة لبيع ابتكاراتي لن يكون ذلك أمرًا مستحيلاً بالنسبة لي. 
على كلّ حال ورغم ما جرى لطفليّ وزوجي لم أنقطع عن الضّحك وعن رسم ابتسامة على محيّاي لان الله وهبني القوة على مواصلة الطريق. الحياة جميلة رغم كلّ المصاعب وجدير بنا أن نعيشها!”

فاتن المرهي هي واحدة من ضمن 40 امرأة شاركن في ورشات الخزف والتّزويق التي تمّ تنظيمها في دار الرّعاية التّابعة لمنظّمة “صوت المرأة اللبنانيّة” في الشياح في إطار مشروع دورك (تفعيل دور المرأة – إصلاح، دمج وتعزيز الثقة) الذي يموّله الاتحاد الأوروبي.  
قالت لنا جورجات عزار: ” من دون التّمويل (10 آلاف يورو) الذي رصده الاتحاد الأوروبي لم نكن لنتوصّل لتدريب 40 امرأة لأنّنا منظّمة غير حكوميّة وعملنا مرتبط بالجهات المانحة”. 
يهدف مشروع دورك الذي رُصدت له ميزانيّة بمليون يورو إلى تعزيز قدرات المرأة في لبنان للقضاء على الفقر ولدفع المساواة بين الجنسين وقد تمّ انجازه في كافّة أنحاء لبنان (صلب 21 بلديّة) مع قرابة عشرين منظّمة غير حكوميّة وجمعيّة.  انتفعت من هذا المشروع الأوروبي زهاء 4000 امرأة لبنانيّة على غرار فاتن. 
تولّى المجلس الثقافي البريطاني مع لجنة متابعة قضايا المرأة تنفيذ مشروع دورك (تفعيل دور المرأة – إصلاح، دمج وتعزيز الثقة) الذي انطلق في شهر سبتمبر 2016 وسيصل إلى نهايته في شهر مارس 2019. 

 

نشرت في وسائل الإعلام المحلية

Labneh&Facts

Labneh&Facts Instagram

Le Petit Journal de Beyrouth

روابط EU Neighbours

الفيسبوك

تويتر

لينكدين

وفد الاتحاد الأوروبي

موقع لبنان

لبنان FB

اقرأ في: English Français