وفّر الاتحاد الأوروبي منحة بثلاثين مليون يورو لفائدة مزرعة الرّياح بمنطقة جبل الزيت في مصر التي تبلغ كلفتها الجمليّة 340 مليون يورو وقد ساهم العديد من المانحين الأوروبيّين ومن بينهم البنك الألماني للتّنمية في هذا المشروع الطّموح الواقع على ضفاف البحر الأحمر بهدف توليد الطّاقة النّظيفة.
في جبل الزّيت على بعد زهاء 350 كلم عن القاهرة في اتّجاه الغردقة يمكن تحويل الرّيح إلى ثروة. يحتلّ جبل الزيت موقعا بين خليج السّويس وجبال البحر الأحمر تتسبّب تضاريسه في هبوب الرّياح بسرعة يصل معدّلها إلى 10.5 متر في الثانية وهو رقم يفوق الرّقم المسجّل في زعفرانة المجاورة على ضفاف البحر الأحمر حيث تناهز سرعة الرّياح 8.5 متر في الثانية ولا شكّ في أنّ مصر لها إمكانات كبيرة على مستوى طاقة الرّياح ممّا جعلها تعمل على التّسريع في الانتقال نحو هذا المصدر النّظيف للطّاقة من خلال إنشاء مزرعة رياح تمتدّ على الضفّة الشرقية للبحر الأحمر.
اعتمدت مصر طويلا على الوقود الأحفوري لكنّها شرعت منذ التّسعينات في تغيير وجهتها نحو طاقة الرّيح سعيا إلى توليد طاقة كهربائيّة أنظف ومن ضمن الأمثلة التي نذكرها في هذا النّطاق مزرعة الرّياح في جبل الزّيت التي شارك الاتحاد الأوروبي والبنك الألماني للتّنمية والبنك الأوروبي للاستثمار في تمويلها بالتّعاون مع الحكومة المصريّة.
تغطّي المزرعة مساحة 43 كلم مربّع وتدخل في إطار مركّب يمتدّ على 600 كلم مربّع من شأنه أن يحدّ في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يعادل 400 ألف طنّ سنويّا ممّا يشجّع المستثمرين على العناية بالقطاع الطّاقيّ الواعد.
اثنان ميغاواط لكلّ تربينة
يعدّ مشروع جبل الزّيت الذي يطلق عليه أهل المنطقة تسمية “مشروع البنك الألماني للتنمية” 120 تربينة والبنك يتولّى في الواقع متابعة الأشغال كما يسهر على التّنسيق بين مختلف الشركاء.
شعر المهندسون والمسؤولون عن انجاز المشروع بالبهجة عندما دخلت التّربينات إلى مرحلة الاستغلال وقالوا بكلّ سرور: ” ستمنحنا التربينات الآن نسمة من الهواء العليل بعد كلّ هذا الجهد الذي بذلناه ” فرغم الشمس الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة نسبيّا تهبّ الرّياح خلال الصّيف أكثر ممّا يشهده فصل الشتاء من ريح في هذا المكان.
تمكّن المهندسون والتقنيّون من انشاء بستان صغير من الخضروات في قلب الصّحراء زرعوا فيه الفاصوليا والزّياتين والبطّيخ الأحمر والنّعناع قرب مكان إقامتهم وأصبحت البستنة تمثّل هوايتهم المفضّلة!
يعدّ الموقع جنسيّات مختلفة حيث يختلط المصريّون مع خبراء مؤقّتّين جاؤوا من عديد البلدان مثل المغرب والجزائر واسبانيا والهند وتركيا وقد قال لنا المهندس أكمل محمّد المسؤول عن الموقع منذ سنة 2014:”يساعدنا البدويّون والسكّان المحلّيّون على الحفاظ على أمن الموقع وكافّة اليد العاملة التي جاءت إلى هنا من جميع أنحاء مصر ونحن نعتمد في عملنا على هيئة الطّاقة الجديدة والمتجدّدة.
شأنه شأن أغلب العاملين في مشروع جبل الزّيت، عمل محمّد من قبل في مزرعة الرّياح بالزعفرانة ولذلك فهم عادة ما يقارنون بين الموقعين وفي هذا الصّدد يقول المشرف على توسيع المشروع، المهندس محمود حامد عبد الحميد، مشيرا إلى حقول البترول الممتدّة على طول الطّريق على يمين التّربينات: ” يصل عدد التربينات هنا إلى 120 وحدة وهي تربينات عصريّة وأكثر قوّة وتسمح بتوليد 240 ميغاواط”.
يولّد مشروع جبل الزّيت 580 مياغاواط من الكهرباء حيث تنتج كلّ تربينة 2000 كيلو من الكهرباء مقارنة بتربينات مشروع زعفرانة التي لا يتجاوز انتاج التربينة فيها 850 كيلو. يتمّ تنظيف التّربينات مرّة كلّ سنة بينما تدور أعمال الصّيانة مرّتين في السنة.
نظام الرّادار ” النّسر الأسود”
لا شيء يزعج هدوء الموقع سوى صوت الطّيور الجارحة مثل النّسر الأسود الذي يحلّق فوق شفرات التربينة.
تحمل كلّ شفرة ثلاثة خطوط حمراء لتنبّه الطيور لوجودها ذلك أنّ مزرعة الرّياح تقع على طريق الهجرة الذي تسلكه العديد من أنواع الطّيور ولتجنّب تعريضها للخطر تمّ تجهيز المكان بنظام رادار خاصّ تمّ تصميمه بالتّعاون بين الجيش المصريّ وإحدى الشركات البرتغاليّة.
يتواجد المراقبون و الملاحظون يوميّا في الموقع للتّعاون مع علماء الطّيور من وزارة البيئة الذين يجوبون بدورهم الموقع صباحا مساء و يمكن أن نشاهدهم و هم يدقّقون في قطيع من اللقلق الأبيض من خلال نظّاراتهم المقرّبة أو و هم يعدّون الطّيور المهاجرة أو يقيسون ارتفاع طيرانها. و قد أخبرنا محمود حامد عبد الحميد بأنّ ” الرّادار يتفطّن إلى المخاطر التي تهدّد حياة الطّيور و يقدّم نظام الرّادار هذا الذي نستخدمه منذ الرّبيع الفارط تفاصيل حول تلك المخاطر ممّا تطلّب منّا في بعض الحالات ايقاف عمل التّربينات في أقلّ من دقيقة لتجنّب حدوث مجزرة .”
على غرار البستنة، أصبحت الطّيور تمثّل هواية للخبراء حيث يدخل محمّد و زملاؤه في حوارات شيّقة مع علماء الطّيور الذين يوجّهونهم في غالب الأوقات نحو دليل ِCollins للطّيور أو يقترحون عليهم تحميل نسخة رقميّة من الدّليل على هواتفهم المحمولة.
تمرّ أحيانا في سماء المنطقة حدأة سوداء أو صقر وتعبرها أحيانا أخرى مئات أو حتّى آلاف العصافير ويتمتّع المهندسون باستكشافها وتحديد هويّتها كما هو الحال بالنّسبة إلى الخبير التّقني الألماني، وسلي اورينا فرقاس الذي يعمل لفائدة البنك الألماني للتنمية ويزور الموقع على الأقلّ مرّتين أو ثلاث مرّات في السّنة وقد ساهم في العديد من المناسبات في إيجاد الحلول التقنيّة للمشاكل المرتبطة بالظّروف المناخيّة الصّحراويّة مثل الرّمل والنّدى.
من جانب بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة، يؤكّد مدير البرنامج الخاص بمشاريع الطّاقة والنّقل، أحمد البلتاجي على أنّ المشروع سيليه مشروع مماثل بالشراكة مع الوكالة الفرنسيّة للتنمية: ” لن يدخل أيّ تغيير على الصّيغة حيث سيقدّم الاتحاد الأوروبي منحة بقيمة 30 مليون يورو للمشروع الذي تصل كلفته الجمليّة إلى 340 مليون يورو ممّا سييسّر الحصول على قرض من الصّناديق الائتمانيّة المحليّة كما يساهم المبلغ الذي يوفّره الاتحاد الأوروبي في الحدّ من نسبة الفائدة التي ستكون مصر مطالبة بتسديدها “.
في زيارة ادّاها إلى القاهرة من 22 إلى 24 مارس 2018، أمضى المفوّض الأوروبي المكلّف بالعمل من أجل المناخ والطّاقة، ميغال أرياس كانيتي على مذكّرة تفاهم مع السّلط المصريّة بشأن الشراكة الاستراتيجيّة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطّاقة ممّا سمح بالحفاظ على هذه المشاريع في مسارها الصّحيح وممّا يأهّل مصر الغنيّة بالغاز الطّبيعي وبمصادر الطّاقة المتجدّدة للاستعداد لتصبح ممرّا للطّاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.