” سنة 2014 مررت بفترة حالكة من حياتي فقد فارقتني السّعادة بعد أن أرهقتني الدّراسة والعمل كما أنّ عمّي، مثلي الأعلى في الحياة، أصيب بمرض خطير فطلبت عطلة بشهر من عملي لكن في الحقيقة لم أعد أبدًا إلى العمل بعد تلك العطلة. حاولت جاهدةً إنهاء دراستي لكنّني لم أستطع التّركيز وكلّ ما نجحت في فعله في تلك الفترة هو أن أضع سمّاعات في اذنيّ وأمشي لفترات مطوّلة تصل إلى ستّ أو سبع ساعات يوميًّا دون هدف محدّد. بحلول شهر ماي/مايو 2015 أيقنت أنّني أعاني من مشكل ما وأنى لو رجعت إلى تنورين، البلدة التي نشأت فيها وحيث يقيم أبي وأميّ، قد أنجح في العثور على ذاتي وفي إدراك ما بي لتتحسّن حالتي. عندما رجعت إلى أسرتي محمّلةً بأغراضي فهموا أنّ أمرًا ما قد حدث في حياتي لأنّهم لم يشهدوا ذلك منّي من قبل.

أصّرت أمّي ذات ليلة على أن تأخذني معها إلى أوبرا تُعرض في تنورين لأنّها تعرف أنّني أحبّ ذلك الفنّ وكانت تحاول جاهدةً أن تساعدني على التّرويح على بالي. التقيت خلال تلك السّهرة بسيّدة عزيزة على قلبي حيث عملت معها في الماضي عندما كنت أنا وهي المرأتان الوحيدات ضمن أعضاء المجلس البلدي لتنورين وهو منصب شغلته بعد أن ألحّ أبي سنة 2010 عليّ لألتحق بالفريق البلدي لأنّه يشعر بالفخر عندما يرى ابنته من بين أعضاء المجلس.

سألتني تلك السيّدة التي التقيتها خلال الحفل عن حالي فصارحتها بأنني أشعر بالضّياع لذلك بادرت منذ الغد بتنظيم لقاء لي مع رئيس البلديّة الجديد الذي كان يريد إنشاء قسم لتكنولوجيا المعلومات وبعث روح عصريّة في البلديّة واقترح عليّ أن أشرف على المشروع.

هكذا بدأ عملي في البلديّة على مشاريع تؤثّر مباشرة على حياة المجتمع المحلّي وبدأت معها أشعر أنّ حالتي تتحسّن شيئًا فشيئًا لأنّني تبيّنت أنّني أقترب أكثر من ذاتي وممّا كنت أبحث عنه.

 جاء المنعطف الحقيقي عندما التقيت بفريق جمعيّة درب الجبل اللبناني خلال الصيف الماضي وكان نائب رئيس البلديّة كلّفني آنذاك بالإشراف على تنفيذ خطّة العمل المعتمدة بين تلك الجمعيّة اللبنانيّة وبلدة تنورين.

درب الجبل اللبناني هو أطول مسلك للمشي في البلاد إذ يقطع 76 مدينةً لبنانيّةً من شمال البلاد إلى جنوبها وتمّت إعادة تهيئة جزء منه بفضل دعم قدمه الاتحاد الأوروبي. ينظّم أعضاء الجمعيّة رحلات مشيًا على الأقدام مرّتين في السّنة ليكتشف المشاركون البلاد من منظار جديد من خلال مرورهم بالمناطق الرّيفيّة.

التقينا بمناسبة العديد من الاجتماعات وأصغيت إليهم وهم يتحدّثون بحماس فيّاض ممّا أثار فضولي لذلك لم أتردّد أبدًا عندما اقترحوا عليّ المشاركة معهم في جولة في شهر أوت/أغسطس الماضي رغم أنّني لست برياضيّة.

كانت الجولة تتمثّل في قطع 18 كيلومترًا على امتداد يومين في عاقورة و اهمج.  انتابني بعض القلق لأنّني لم أكن مستعدّةً بدنيًّا ومع ذلك انطلقت في المغامرة لأنّني أحببت أعضاء درب الجبل اللبناني والجوّ السّائد صلب الجمعيّة. شعرت بأنّهم في مكانة عائلتي فهم أناس طيّبون ومولعون بنشاطهم وجعلوني أدرك أنّ الدّرب جزء من هويّتي وأنّه يمكنني الاصغاء إلى أجدادي وأنا أقطعه مشيًا. فلا شكّ أنّ ذلك ساهم في تحفيزي!

قضّيت وقتًا ممتعًا خلال تلك الجولة لكن حياتي انقلبت رأسًا على عقب فعلاً عندما طُلب منّي في شهر سبتمبر الفارط تنظيم المرحلة من الجولة التي تمرّ من تنورين.

أنا عاجزة عن وصف الشّعور الذي انتابني عندما رأيت حافلة تغصّ بالسيّاح تتوقّف في بلدتي.  لقد فقدت الكلمات إزاء ذلك المشهد. كلّ هذا الجمع جاء من بيروت وبعضهم قطع مسافات أطول ليكتشفوا بلدتي ومنشئي. حينها بدأت أجد الأجوبة لأسئلتي وأفهم من أنا وما المهمّ في حياتي.

منذ كنت طفلة كان جدّي وجدّتي يحثّاني على النّجاح ويذكّراني بأنّني أصيلة تنورين التي أنجبت العديد من المشاهير. وما أن رأيت بأمّ عيني المفعول الذي ساهمت في خلقه داخل مجتمعي المحلّي بفضل جمعيّة درب الجبل اللبناني تبيّنت أخيرًا مكانتي وشعرت بأنّني أضطلع بدور مفيد.

سأظلّ دائمًا ممتنّةً لأعضاء الجمعيّة لأنّني وجدت ضالتي من خلال الحماس الذي التمسته لديهم وهم حريصون على التّعريف بالتنوّع اللبناني عبر مسالك المشي. حلمي اليوم يتمثّل في بعث مشروعي الخاصّ في تنورين في مجال قريب من درب الجبل اللبناني، ربّما أبعث ضيعةً أو دار ضيافة ليكتشف العالم باسره جمال تنورين وسكان تنورين. أريد تحقيق المستحيل من أجل بلدتي كما أريد أن أبرهن لجميع من يزور تنورين أنّه لدينا الكثير من الأشياء المشتركة كما هي مع أعضاء جمعيّة درب الجبل اللبناني فنحن جميعًا ننحدر من جهات مختلفة من لبنان ومع ذلك فقيمنا من أصالة وحماس وحبّ للبلاد مشتركة بيننا.

علّمني درب الجبل اللبناني أن أواصل المشي رغم كلّ المصاعب وهي قاعدة تنطبق على كافّة مجالات الحياة. أنا اليوم أمارس المشي ثلاث مرّات في الأسبوع ولا أنوي أن أتوقّف عن ذلك.

يمتدّ أطول مسلك مخصّص للمشي في لبنان من عندقت في الشمال إلى مرجعيون في الجنوب على امتداد 470 كلم عبر 76 قرية وعلى ارتفاع يتراوح بين 570 و2073 مترًا فوق مستوى البحر وكان أجدادنا يقطعون هذا الدّرب في فترة لم تكن فيها الطّرقات متوفّرةً بعدُ. لذلك يناضل أعضاء الجمعيّة من أجل الحفاظ على هذا الجزء من التّراث وللتّعريف بذلك الدّرب لدى اللبنانيّين والأجانب من كافّة أنحاء العالم.

تنظّم الجمعيّة رحلتين عبر البلاد سنويًّا (رحلة تقطع كامل البلاد في شهر أفريل ورحلة الخريف في أكتوبر) وقد سجّلت الرّحلة الأخيرة أكثر من 200 مشارك من جهات مختلفة من العالم جاؤوا ليكتشفوا لبنان وساهموا في إعادة تنشيط العديد من المناطق المهمّشة.

تمّ إنشاء جمعيّة درب الجبل اللبناني سنة 2007 و لقد انتفعت أكثر من 60 مؤسّسة سياحيّة (فنادق، مطاعم…) من إنجازاتها خاصّة من خلال التّرويج والتّجهيزات أو تدريب الموظّفين كما تمّ بعث المئات من فرص العمل عبر البلاد.

 أصرّت المديرة التّنفيذيّة لجمعيّة درب الجبل اللبناني، مارتين بتيش على أن توضّح أنّ نشاط الجمعيّة يتجاوز مجرّد تنظيم الجولات بل هي تحيي الجمال اللبناني والتعدّد اللبناني فالبعض يعتقد أنّ الاختلافات هي السبب في الفوضى التي تعمّ بالبلاد امّا نحن فنعتقد العكس تماما فالاختلافات هي التي تصنع جمال لبنان. هذا الدّرب يجمع مختلف الطّوائف ويروي تاريخ البلاد وهو جزء مركّز من التنوّع البيولوجي والجبال والتراث في مجال الطّبخ والثقافة يدعونا إلى حماية موروثنا المشترك وجبالنا.

بين 2016 و2018 وفي إطار برنامج أفكار 3 التابع لوزارة الدّولة لشؤون التّنمية الاداريّة والمموّل من قبل الاتحاد الأوروبي تمّت إعادة تهيئة الأقسام من 3 إلى 10 من الدّرب أي قرابة 70 كلم بين القمامين و العكورة.  ركّزت الجمعيّة على امتداد الدّرب 10 لوحات تحمل معلومات سياحيّة وثقافيّة وجيولوجيّة كما عملت مع الفاعلين المحليّين والبلديّين على تأمين استدامة الدّرب وصيانته والتّرويج له كمنتج سياحيّ للقرى والبلدات التي يقطعها. قالت في هذا الصّدد مارتين بتيش:” توصّلنا لأوّل مرّة إلى إعداد منهجيّة للعمل مع الفاعلين المحلّيّين وسنعتمد نفس المنهجيّة في الأقسام الأخرى من الدّرب”.

نظّمت الجمعيّة في هذا الإطار دورات تدريبيّة مع منهيًي القطاع السياحي لضمان جودة الاستقبال في ديار الضّيافة كما درّبت الأدلّة المحلّيّين في مجال تقنيات التّواصل وأثرت زادهم المعرفي بشأن الجيولوجيا والغطاء النّباتي والثّروة الحيوانيّة والرّصد الجويّ.

بعثت الجمعيّة أيضًا برنامجًا للتّثقيف البيئي “درب لكلّ فصل” داخل 9 مدارس توجد على امتداد الأقسام من 3 إلى 10 من درب الجبل اللبناني ممّا سمح بتدريب 17 مدرّسًا وأكثر من 350 طالبًا. يهدف البرنامج إلى تشجيع الشباب على المشي في الدّرب وعلى اكتشاف جبال لبنان وقد تمكّن الطّلبة عبر العديد من الأنشطة الترفيهيّة من الاطّلاع على دورة الحياة وعلى أسباب تلوّث المياه وتقنيات الصّيد المسؤول وغير المسؤول وإعادة التّدوير وإعداد السّماد العضوي وإعادة التّشجير…مع الإشارة إلى أنّ هذا البرنامج معتمد على مستوى أقسام أخرى من درب الجبل اللبناني خارج إطار التّمويل الأوروبي.

واصلت المديرة التّنفيذيّة للجمعيّة حديثها: ” منحتني جمعيّة درب الجبل اللبناني الأمل لأرى أن بلادنا مازالت تحمل أشياء جميلةً، أشياء تدعونا إلى النّضال من أجلها. لقد تمكنت مثل العديد من أعضاء الجمعيّة من التّصالح مع هذه البلاد الغريبة نوعًا ما ولكنّها بلادنا”.

روابط EU Neighbours

رابط فليكر

الفيسبوك

تويتر

لينكدين

نشرت في وسائل الإعلام المحلية

Labneh&Facts

Labneh&Facts Instagram

Le Petit Journal de Beyrouth

وفد الاتحاد الأوروبي

موقع لبنان

لبنان Facebook

فيديو عن المشاريع الممولة من قبل  OMSAR/ EU

Trail Development https://www.youtube.com/watch?v=WCCFDXYyRoI 

Community Development https://www.youtube.com/watch?v=datW6wK1Ai8&t=70s

Education https://www.youtube.com/watch?v=eb-5qwHu88I

7 مبادرات مدعومة في إطار مشروع الاتحاد الأوروبي من خلال منح صغيرة

1- Wadi el Zouhour https://www.youtube.com/watch?v=Hy6-9bh9faE 

2- Mrebbine https://www.youtube.com/watch?v=Ye4PR4hIO74

3- Discover the Forest https://www.youtube.com/watch?v=99DiY4tK7To

4- The Farmhouse https://www.youtube.com/watch?v=YL-Km7L6iU0

5- Chillyard in Behwaita https://www.youtube.com/watch?v=xIrxIrP-n0k

6- El Jebbeh Harvest https://www.youtube.com/watch?v=cvqLbZewk5o

7- The Mosaic House https://www.youtube.com/watch?v=oCK-0yGo828