بينما العالم يتهاوى تحت تأثير أزمة كوفيد-19، وحّد عدد من المبتكرين الأردنيّين جهودهم لإعادة الأمل إلى مجتمعاتهم المحليّة من خلال إعداد تصاميم مفتوحة المصدر لأغطية واقية للوجه ولأجهزة تنفّس اصطناعي لفائدة العاملين في مجال الرّعاية الصحّية والمستشفيات المحليّة. وقد تكاتف مؤخّرا كلّ من مشروع شمال ستارت المموّل من طرف الاتحاد الأوروبي ومبادرة مصنع الأفكار لمؤسّسة وليّ العهد للاستجابة لأزمة كوفيد في حركة تعبّر عن درجة عالية من الابتكار والتّضامن.
مهندسة الكمبيوتر، نادين حسن أبو طحيمر (26 سنة) هي المديرة التقنيّة لفاب لاب اربد، شمال الأردن التّابع لمشروع شمال ستارت. تنتمي نادين إلى فريق المبتكرين الأردنيّين الشبّان الذي يقف خلف الابتكارات الفريدة الموجّهة نحو دعم جهود الحكومة الأردنيّة في حربها ضدّ فيروس كورونا وقد قالت لنا نادين في هذا الصّدد: ” بوصفي مهندسة، أريد دائما أن أرى نماذجي الأولى وابداعاتي تُستخدم في الحياة اليوميّة و هذه المرّة الأولى التي لا أريد ذلك حقّا” و أضافت ” عندما شهدنا ما يدور في البلدان الكبرى الأخرى مثل إيطاليا أو اسبانيا، أدركنا أنّه علينا أن نعمل بسرعة و أن نتعلّم من التحدّيات التي تواجهها تلك البلدان إذا ما أردنا أن نجنّب الأردن مثل تلك الأوضاع “.
استعدادا منهم للجائحة العالميّة، بدأ المبتكرون الشبّان في تبادل الأفكار فور الإعلان عن الحجر الصحّي العام في البلاد وقالت نادين بعد أن ذكرت أسماء أفراد الفريق الرّئيسي وهم عمرو سوسن ويزان أبو دبشة وقصي ملاحمه ومراد سعادة وأحمد فارس: ” لقد بدأنا سريعا وعملنا جاهدين للوصول إلى حلول سريعة وفعّالة من حيث الكلفة من خلال تعاوننا مع مبتكرين مثلنا ينتمون إلى مبادرة مصنع الأفكار ومن خلال تواصلنا صلب الشبكة العالميّة لفاب لاب”.
قوّة نظم الابتكار في الأردن
مدير مصنع الأفكار، إسماعيل حقّي متّفق مع نادين في أقوالها وقد حدّثنا بدوره قائلا: ” بعد الإعلان الرسميّ عن الجائحة وبعد أن فعّل الأردن قانون الدّفاع العام كان من الواضح أنّ الوقت قد حان لتسرّع مخابر النّماذج الأوليّة، على غرار مصنع الأفكار، في وتيرة عملها وأن تتخذ التّدابير الملائمة”. مصنع الأفكار هو منصّة ابتكار تابعة لمؤسّسة وليّ العهد تتمثّل في مخبر عموميّ للتّصنيع الرّقمي (فاب لاب) يقوم بتجميع الشباب والأفكار والموارد لإطلاق العنان لنظم الابتكار في الأردن. من خلال بعث نظام مستدام وشديد التّكامل يشمل المسار الكامل للابتكار من مرحلة الاكتشاف والتّفكير مرورا بالتّصميم والتّطوير للوصول إلى مرحلة التّسويق، يسعى مصنع الأفكار إلى دعم المبتكرين الشبّان على مستويات مختلفة لتمكينهم من التّصميم وهندسة وتصنيع ايّ شيء يريدونه.
التّضامن يزيد في تعزيز الجهود
أطلق الفريق العامل مجموعات على الوتساب لتبادل وجهات النّظر عبر الانترنت بغرض الوصول إلى أفكار لمساعدة العاملين في المجال الصحّي في الأردن وللحدّ من تأثيرات كوفيد-19 وقالت نادين وهي تستذكر تلك المرحلة: ” لم يكن الأمر سهلا لأنّنا لم نكن نستطيع اللقاء مع بعضنا البعض وكان علينا أن ننجز كلّ شيء انطلاقا من بيوتنا لكن وكما هو الحال دائما في الأردن كان الجميع على اتمّ الاستعداد لمدّ يد المساعدة”. التحق بنا أفراد من كافّة الاختصاصات من مهندسين وباحثين وروّاد أعمال ومدرّسين … كما شرع أفراد من خارج الأردن في المساهمة: ” كان كلّ واحد منّا يعمل على الجانب الذي يستطيع العمل عليه ثمّ ارتفع نسق التّعاون بسرعة فائقة”.
يتذكّر إسماعيل بدوره روح التّعاون تلك وقد تولّى مساعدة فريق شمال ستارت بعد ايّام من الإعلان عن الحجر الصحّي على الحصول على تراخيص للالتحاق بمهندسي مصنع الأفكار في مخبرهم وشدّد على أنّ مصنع الأفكار” اعتبر هذا التحدّي فرصة جديدة للتّعاون مع شمال ستارت على مدّ الجسور وتعزيز العلاقات والبرهنة على حسن النيّة لنبيّن للدّوائر المختصّة أنّ فاب لاب هو شريك وليس بالمنافس في هذا المجال”.
عهد جديد للابتكار العاجل
بدعم من مؤسّسة وليّ العهد والسّلط المحليّة، التحق ثلاثة مهندسين من شمال ستارت بنظرائهم في مصنع الأفكار وشعروا في تطوير جهاز تنفّس اصطناعي أو “كيس تنفّس ذي تشغيل تلقائيّ” بناء على تصميم مفتوح المصدر. شرحت لنا نادين أنّ كيس التنفّس يعتمد على تصميم مفتوح المصدر أعدّته شركة Protofy.xyz وصادقت عليه رسميّا الوكالة الاسبانيّة للأدوية والمعدّات الطبيّة لاستعماله مع المصابين بكوفيد-19: ” كان من الأسهل أن ننطلق من تصميم تمّت المصادقة عليه لكن مع ذلك واجهنا صعوبات للوصول إلى المواد المطلوبة لإعداد النّموذج الأوّل”. في كنف الاغلاق الكليّ للبلاد كان على الفريق أن يتوخّى الابداع كما اعتمد على موجة التّضامن العارمة التي أحدثها عمله.
أضافت نادين:” نحن على واتساب دون انقطاع لتجميع البراغي لدى أحدهم أو كميّة من الأسلاك لدى جهة أخرى وقد وصل بنا الأمر إلى درجة الاستعانة بأحد المتبرّعين الذي جلب لنا محرّك ممسحة سيّارة قديمة للفراغ من إعداد النّموذج الأولّ! ولا شكّ في أنّ استخدام هذه البدائل لا يساهم في الحصول على النتائج المرجوّة خاصّة إذا ما كنّا ننوي المرور إلى مرحلة الإنتاج المكثّف لكن كان هذا كلّ ما لدينا كما أنّ الوضع ملحّ على نحو لم يسبق له مثيل”.
طوارئ ومثابرة
في غضون يومين نجح الفريق في إعادة تصميم الجهاز كاملا وفي ملاءمته مع محرّك مسّاحة السيّارة للحصول على جهاز تنفّس حديث مجهّز بنظام رصد مدمج ينقل عدد الانفاس نحو برمجيّة عبر الانترنت. اشارت نادين إلى تلك الفترة قائلة: ” قمنا بتجارب كثيرة انطلقنا فيها من الفكرة الأولى التي خامرتنا والمتمثّلة في استخدام طابعة ثلاثيّة الأبعاد لإنتاج أغطية واقية للوجه لكنّ العمليّة كانت مكلفة وتتطلّب وقتا طويلا وهو أمر لا يتماشى مع الوضع الملحّ الذي كنّا فيه فحاول الفريق اعتماد التّصميم الذي أصدرته الشركة النّمساويّة Trotec المختصّة في القطع بالليزر”.
بدعم من المؤسّسة النّاشئة 3DU العاملة في مجال التربية العلميّة والتّكنولوجيا ثلاثيّة الأبعاد وجامعة الأردن للعلوم والتّكنولوجيا، سيتمّ تزويد أربعة مستشفيات محليّة بالأقنعة الواقية ومن بينها مستشفى الملك المؤسّس عبد الله الجامعي، أكبر الهياكل الطبيّة في شمال الأردن. امّا بالنّسبة إلى مشغّلات أكياس التنفّس ومقسّمات الدّارة فهي الآن قيد الدّرس من طرف مركز الملك عبد الله الثاني للتّصميم والتّطوير والجمعيّة العلميّة الملكيّة قبل المصادقة عليها رسميّا والانطلاق في مرحلة الإنتاج.
رسائل أمل
تقول نادين: ” نحن نتمنّى حقّا ألا نحتاج إلى استخدام أجهزة التنفّس وأن يتحسّن الوضع في الأردن” واشارت إلى أنّه في حالة تحسّن الأوضاع في البلاد تبقى النّماذج الأولى مفيدة ويمكن استخدامها لمساعدة البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا حيث قد تتسبّب الجائحة في أضرار أكبر.
يحدو الأمل أيضا مصنع الأفكار حيث صرّح إسماعيل بأنّ الجهود المشتركة ستمهّد الطّريق في المستقبل أمام التّعاون البنّاء مع شمال ستارت: “سنواصل تشريك شمال ستارت في عملنا ونحن فخورون باتّخاذنا للخطوات الأولى في اتّجاه مثل هذا التّعاون على أمل أن يفتح ذلك باب التّعاون على مصراعيه في المستقبل”.
يدخل مخبر فاب لاب اربد في إطار مشروع لومينوس شمال ستارت المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي الذي انطلق منذ سنة 2016 بالتّعاون مع الحاضنة iPark للجمعيّة العلميّة الملكيّة ويسعى هيكل تسريع الأعمال هذا إلى تمكين المبتكرين و روّاد الأعمال من بيئة متكاملة لتحويل أفكارهم الرّائدة إلى مشاريع مستدامة.
أمّا شمال ستارت فقد ساهم في دعم العديد من المؤسّسات النّاشئة المحليّة التي نجحت في التحوّل إلى أطراف اقليميّة فاعلة في عالم ريادة الأعمال. ويدخل دعم الاتحاد الأوروبي لمشروع شمال ستارت في إطار التزامه الدّؤوب تجاه الابتكار والابداع كمحرّك للتّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة في الأردن.
للاطلاع على المزيد