“منجرة” أو كيف سيسترجع حرفيّو الخشب في طرابلس عصرهم الذّهبي

فبراير 27, 2019
مشاركة في

سعيا منه لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي ضربت بشدّة مدينة طرابلس و أمام التّراجع الشديد لصناعة الأثاث أطلق برنامج تنمية القطاع الخاصّ الذي تنجزه Expertise France  بتمويل من الاتحاد الأوروبي منصّة “منجرة” وهي علامة مشتركة في قطاع النّجارة تهدف إلى دعم كفاءة المؤسّسات و تنمية انتاجيّتها من خلال تيسير التّواصل و النّفاذ إلى السّوق لفائدة مزوّدي الأثاث في طرابلس. 

تشبه منصّة منجرة خليّة النّحل حيث يركّز كلّ على عمله فهنا نرى فريقًا يتناقش بشأن مشروع وهناك يوجد زائر يستكشف المكان الذي تتوسّطه ورشة الإنتاج وتمتدّ على مساحة كبيرة منه. تعدّ الورشة في مختلف أنحائها آلات ينبعث عنها صوت يصمّ الآذان بينما الحرفيّون منهمكون في عملهم فبعضهم يقطع الخشب والبعض الآخر منكبّ على صقله أو طلائه…

قرّرت منجرة بعث مقرّها داخل الفضاء الفخم لمعرض رشيد كرامي الدّولي الذي صمّمه في الستينات في طرابلس (شمال لبنان) المهندس المعماري الشّهير، البرازيلي أوسكار نيمير. 
منصّة منجرة هي ثمرة البرنامج الأوروبي لتنمية القطاع الخاصّ الذي خصّصت له ميزانيّة جمليّة تصل إلى 15 مليون يورو موّلها الاتحاد الأوروبي وهو برنامج ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: قطاع الصّناعات الغذائيّة (يدعم المزارعين المحلّيين في قضاء عكار وفي البقاع) ومعالجة الخشب (يدعم حرفيّي النّجارة في طرابلس) والنّفاذ إلى التّمويل (يدعم القطاعين السّابقين). تمّ تكليف Expertise France بتنفيذ المشروع في لبنان بالتّعاون مع غرفة الصّناعة والتّجارة ومع جمعيّة الصناعيّين اللبنانيّين. 
طرابلس مشهورة منذ قرابة نصف قرن بحرفيّيها في مجال النّجارة وكانت قاعات عرض المفروشات تستقبل الزوّار القادمين من كافّة أنحاء البلاد للاطلاع على المفروشات الرّائعة ومنذ تلك الفترة شكّل الخشب عنصرًا هامًّا من اقتصاد المدينة لكنّ هذه الصناعة التّقليديّة العريقة تمرّ حاليًّا بأزمة يسعى برنامج تنمية القطاع الخاصّ إلى معالجتها ليعيد إلى حرفيّي طرابلس بريق عصرهم الذّهبي الذي ولّى. 
في هذا الإطار تمّ بعث منصّة منجرة التي ستتحوّل إلى جمعيّة تعمل على تقديم الدّعم لحرفيّي النّجارة وهي تهدف إلى مواصلة الجهود التي أطلقتها Expertise France تحت غطاء برنامج تنمية القطاع الخاصّ المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي لضمان الاستدامة بعد نهاية المشروع في شهر أوت/أغسطس 2019 (بدأ سنة 2016). 
 

الأمل 
كان محمّد النظام، 27 سنة، على رأس ورشة نجارة عائليّة اضطرّ لبيعها منذ سنتين بسبب الأزمة الاقتصاديّة التي ضربت البلاد وخاصّة قطاع الخشب في طرابلس وتقدّم محمّد للمشاركة في أنشطة وورشات العمل التي نظّمتها منصّة منجرة سعيًا منه للرّجوع إلى حرفته الأصليّة وأكّد لنا محمّد أنّ المشاركة مكّنته من ” تجربة جديدة ومن تعلّم تقنيات مبتكرة”. يتطلّع محمّد أيضا إلى اللقاء ببعض الزّبائن المحتملين” وهو يعتبر أنّ أهمّ عنصر في هذا المشروع هو استدامته “ولا بدّ أن تواصل المنصّة العمل بعد نهاية المشروع فهو يبعث فينا الأمل في هذه الفترة الصّعبة التي نعيشها”. 

إبراهيم الكردي في الثلاثين من عمره وهو عامل مختصّ في طلاء الأثاث يعدّ خبرة تصل إلى 15 سنة من العمل في قمرة اللمسات الأخيرة التي تشبه في شكلها مركبًا فضائيًّا وعادةً ما يأتي إبراهيم للعمل في منجرة وقد قال لنا دون أن ينحيّ قناع الحماية عن وجهه: “أنا أغتنم حضوري هنا لألتقي بالمهنيّين في اختصاص الخشب علّي أتعرّف على من يوفّر لي فرصًا جديدةً” وإلى جانب “العلاقات العامّة” شرح لنا إبراهيم انّ قمرة اللمسات الأخيرة توفّر العديد من المزايا فهي تضمن جودةً عاليةً وتيسّر العمل كما تضمن بيئةً صحيّةً آمنةَ. 

أمّا رأفت نشابي فهو يدير شركة تشغّل العديد من العمّال لكنّ الأزمة الاقتصاديّة التي ضربت القطاع عرّضت ورشته للخطر وحملته على تسريح عدد من العمّال وبفضل منصّة منجرة عاد له الأمل ورسم لنفسه هدفين أوّلهما يتمثّل في الحصول على عقود ملائمة والثاني في الوصول في يوم ما إلى مرحلة التّصدير إلى أوروبا. 

منجرة
الفضاء الذي استقرّت فيه منصّة منجرة هو المبنى الوحيد الذي تمّت إعادة تأهيله وإصلاحه بالكامل داخل المعرض بفضل مشروع تنمية القطاع الخاصّ منذ التخلّي عن المكان خلال الحرب اللبنانيّة ويمسح فضاء منجرة 1500 مترا مربّعا كانت كلّها خرابا أصبحت اليوم مكان لقاء مفعم بالحياة. 
تمّ تصميم الفضاء حول أذين مشرق يتابع سلسلة انتاج الخشب فالمدخل مخصّص للتزوّد بالمواد يليه مكان للتصميم أمّا الإنتاج فهو يدور في الورشة الموضوعة تحت ذمّة النجّارين كما يوجد فضاء للعرض يمكّن مصمّمي ونجاّري طرابلس من عرض منتجاتهم. 
ينقسم مشروع معالجة الخشب إلى العديد من الأقسام وقد أنجز القسم الأوّل منها دراسة سوق معمّقة في طرابلس وأحوازها شملت جميع الحرفيّين في اختصاص النّجارة وقد تمّ نشر النّتائج على موقع الواب www.furnituretripoli.com الذي يحتوي أيضا على مسح شامل لقطاع الأثاث والخشب في ثاني أكبر مدينة لبنانيّة.  تقدّم الدّراسة معلومات هامّة وشاملة منذ تسلّم الخشب إلى تسليم المنتج إلى الزّبون النّهائي مرورا بالحرفيّين وقاعات عرض الأثاث. 
وقد شرح لنا المسؤول عن المشروع، بشارة الشمالي أنّ: ” عدد مؤسّسات النّجارة التي ستنتفع بطريقة غير مباشرة من المشروع يفوق 400 مؤسّسة”. 
يحتوي نفس المكان على عدد من الورشات مفتوحة أمام كلّ من يريد تعميق معارفه في بعض المجالات أو التّقنيات أو حتّى تحسين قدراته الاداريّة. 
 

“ليس هنالك اقبال على المنتجات اللبنانيّة!”

 إضافة إلى ذلك تمّ انجاز دراسة سوق أخرى أسفرت عن نتائج عمليّة تهمّ منتجات النّجارة في طرابلس ومتطلّبات السّوق المحليّة أو الاقليميّة. 
وقد قال لنا بشارة الشمالي في هذا الشّأن:” طرابلس مشهورة بإنتاج أثاث من النّوع الكلاسيكي والمزخرف بينما الطّلب الحالي يتّجه نحو التّصميم الحديث والعملي وهو ما يشكّل أحد أهمّ المشاكل التي يعرفها القطاع فالعرض لا يتماشى مع الطّلب لذلك أحجم النّاس عن المصنوعات اللبنانيّة!”
و أضاف ألكسيس غصن، المكلّف بالمشروع لدى Expertise France :” بعد أن قمنا بهذا التّشخيص  لم يكن من الهيّن بالنّسبة لنا أن نقنع الحرفيّين المحليّين بتغيير نمط تصميماتهم إذ نعتقد أنّه لضمان استدامة القطاع لا بدّ له من تغيير مقاربته في العمل لإنتاج أثاث يستجيب إلى طلب السّوق اللبنانيّة قبل التّفكير في التّصدير وبالفعل فكميّات كبيرة من الأثاث اليوم تصنع في تركيا وفي الصّين أو في مصر بأسعار منخفضة جدًّا و لا بدّ من العمل أيضًا على تكييف الأسعار لتصبح قادرة على منافسة الأسعار الأجنبيّة و  لذلك تعمل منجرة على أن تصبح علامةً لأثاث يباع بأسعار تنافسيّة و بجودة أوروبيّة تصنعه أيادي طرابلسيّة”. 

في هذا الإطار، تضطلع منجرة بدور هامّ يتمثّل في تجميع الحرفيّين والمصمّمين ومهندسي الدّيكور وأصحاب أروقة العرض في نفس المكان وحسب بشارة الشمالي:” فالتّعاون محدود والرّوابط هشّة بين من يتولّى تصميم الأثاث ومن يصنعه ومن يبيعه وهنا تدخل منجرة إلى الميدان لسدّ الفجوة بين مختلف الفاعلين في سلسلة القيمة داخل هذا القطاع”. 

توجيه الشكر إلى الاتحاد الأوروبي 
تشهد الورشة حركةً حثيثةً حول آلة كبيرة من آخر طراز تمّ تركيزها وسط الفضاء وقد جاء علي بوكسماتي، أحد شباب طرابلس، ليعلّم الحرفيّين كيفيّة استخدام تلك الآلة الجديدة و بيّن لنا أنّ الآلة:” تعمل على مساعدة النجّار في نشاطه فهي توفّر وقتًا ثميناً كان يقضّيه الحرفيّ في نقش الخشب كما تتمتّع هذه الآلة بدقّة عالية فيكفي أن نختار على الحاسوب الشّكل الذي نريد تنفيذه لتتولّى الآلة إنجازه”. 
يعمل مختلف الحرفيّين في جوّ لطيف داخل الورشة وهم ممتنّون للمساعدة القيّمة التي وصلتهم وقد أكّد لنا رأفت نشابي في هذا الصّدد بأنّ الجميع ” يتقدّم بخالص الشكر للاتحاد الأوروبي الذي أنجز المشروع إذ نأمل أن يصل قطاع النّجارة والأثاث إلى التّعافي بفضله”. 
 

نشرت في وسائل الإعلام المحلية

Le Petit Journal de Beyrouth

روابط EU Neighbours

رابط فليكر

رابط الفيسبوك

رابط تويتر

لينكدين

منجرة

 

وفد الاتحاد الأوروبي

 

موقع لبنانلبنان FB

فيديو

اقرأ في: English Français