في الأغواط ، التي تقع في قلب تل الجزائر ، تمكنت النساء من التحكّم في مصيرهن من خلال البرنامج الأوروبي للعمل التجريبي من أجل التنمية الريفية والزراعة (PAP ENPARD) و ذلك عبر إستغلال و تطوير الإرث الحرفي لمنطقتهن وجعله وسيلة عيش لضمان استقلالهن المالي وضمان حياة كريمة. دليلة بلمشيري ،شكلت حولها شبكة حرفية نسائية و اطلقت مشروع “خيمة الألف حرفة” بفضل جرأتها و ايمانها بقدرات نساء جهتها.
توجد ولاية الأغواط في قلب التلّ وهو شريط من السّهوب يقطع الجزائر من الشرق إلى الغرب ويفصل الصّحراء عن السّلاسل الجبليّة في الشمال. سكّان الأغواط متشبّعون بثقافة البدو الرحّل الذين يعيشون في المناطق الجبليّة ويمتهنون الرعي وتربية الحصان البربري والكلب السّلوقي ونسج الزربيّة والبرنوس على نسق الشّعر الملحون ووالفنتازيا. اليوم مازالت الخيمة التي تُقدّ من شعر الماعز تمثّل رمز سكّان التلّ لذلك لم تبحث دليلة بلمشري كثيرا عندما كان لها أن تختار شعارًا لجمعيّتها “خيمة الألف حرفة” التي خصّصتها لتثمين الصناعات اليدويّة للنّساء القرويّات في جهتها وأطلقتها في إطار برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة.
“خيمة الألف حرفة”
وقفت دليلة بكلّ اعتزاز أمام أعمالها التي يرجع بعضها إلى سنوات طفولتها وشرحت لنا اختيارها: ” اخترت في تسمية الجمعيّة الإشارة إلى الألف حرفة لأنّني أعتبر أنّ كل امرأة في منطقتي تتقن على أقلّ تقدير عشر حرف وإذا اعتبرنا أنّنا نعدّ 100 حرفيّة في 10 بلديّات يمكن أن نصل إلى ألف حرفة”. يتميّز أيضا المسار المهنيّ الذي سلكته دليلة بتنوّع أنشطته من الرّياضة إلى الاعلاميّة مرورًا بإدارة مشروع زراعيّ…وصولاً إلى قرارها الالتزام بالتّرويج للتّراث الثريّ الذي تعدّه جهتها. قالت دليلة: ” ترجع تجربتي الأولى إلى سنة 2017 في للماية تلك الواحة الصّغيرة الواقعة جنوب غربيّ ولاية الأغواط. توفّرت لي فرصة لتنظيم معرض للمنتجات التقليديّة بمناسبة شهر التّراث فعرضت أعمالي وبعض الصّناعات اليدويّة لنساء من قريتي وقد لاقى المعرض نجاحًا كبيرًا”. دون علم منها كانت مبادرة دليلة تستجيب تمامًا إلى أهداف برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة.
تعتبر دليلة بلمشري أنّ برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة حدّد معالم جديد للتّنمية الرّيفيّة في ولاية الأغواط وتؤكّد وجود وعي حقيقيّ وطريقة جديدة لتناول الأمور حيث يمكن لتراثنا الثريّ أن يخلق فرصًا اقتصاديّةً جديدةً إذا بذلنا بعض الجهد لتثمينه. قالت لنا دليلة، رئيسة خيمة الألف حرفة، متحدّثةً عن تجربتها: ” رغم مواردنا المحدودة استطعنا بيع منتجات توجد اليوم في العديد من المنازل عبر العالم وأنا أحلم بأن تكتسح منتجات الأغواط أكبر العواصم لأنّ نساء جهتي تصنعن أشياء رائعة وعلينا أن نثمّن عملهنّ بعرضه على أكبر عدد ممكن من الحرفاء”.
خديجة، النسّاجة
وصلت دليلة وسيد علي إلى للماية ذات يوم حارّ واتّجها معًا لزيارة خديجة، النسّاجة صاحبة الأيادي الذهبيّة التي تعلّمت حياكة الزربيّة في مسقط رأسها غرداية، إحدى المدن السّبع التي تشكّل وادي مزاب. كانت خديجة تحزم خيوط الزربيّة بالضغط عليها بمشط كبير مقوّس ذي أسنان معدنيّة طويلة يسمّى الخلالة تحت أنظار حماتها التي تجلس القرفصاء على مقربة منها.تتقن خديجة تقنيات نسج الزربيّة الخاصّة بمسقط راسها وكذلك تلك التي تعلّمتها في الأغواط. هي أيضا اكتسبت مهاراتها منذ طفولتها عملاً بتعليمات أمّها وقد حدّثتنا في هذا الشّأن قائلةً: ” من خلال العمل مع جمعيّة دليلة نجحت في الحصول على مصدر رزق إضافيّ لمساعدة أسرتي كما أمّنت لنفسي شيئا من الاستقلاليّة. لا تتوفّر لديّ الموارد الضروريّة لاقتناء الصّوف لنسج الزّرابي وبيعها لذلك تتولّى الجمعيّة توفير المواد الأوليّة ثمّ أمدّها بالمنتج النّهائي وأنا في نهاية المطاف أتلقّى أجرًا مقابل المجهود الذي أبذله”.
في مرحلة التحقّق تتولّى دليلة مراقبة جودة المنتجات التي طلبتها وقالت لنا خديجة مبتسمةً:” تهتمّ دليلة بأدقّ التّفاصيل لأنّها تدرك تمامًا خصائص المنتجات التي تطلبها”. حدّثتنا رئيسة جمعيّة ” خيمة الألف حرفة” وهي تتفحّص الزّرابي الصغيرة التي يتدافع الحرفاء لاقتنائها: ” لم أعرف أبدًا مشاكل في العمل مع خديجة لأنّها تنقل بأمانة الأشكال التي أطلبها منها” وأضافت أنّها اختارت الّا تنتج الزّرابي كبيرة الحجم لأسباب تجاريّة بحتة “لأنّ السّياح عند زيارتهم للجزائر يريدون اشتراء زربيّة لكنّ حجم ووزن زرابينا يمنعهم من ذلك لأنّ شحنها في الطّائرة ليس بالأمر الهيّن فقرّرت الاكتفاء بإنتاج الزّرابي ذات الحجم الصّغير التي يمكن نقلها بسهولة في حقيبة السّفر”.
مشاريع عبر الأجيال
عدنا إلى تاجورنة لنتابع فعاليّات اللقاء الذي تمّ تخصيصه لفنون الطّبخ المحلّي. كانت التّظاهرة بمثابة الإبحار في عمق تقنيات الطّبخ التي يتناقلها سكّان المناطق الجبليّة. أشرفت على اللقاء عائشة، والدة دليلة بلمشري التي قالت لنا قبل تقديم الحاضرين: “أمّي هي التي زرعت داخلي الرّغبة في الاهتمام بثقافتنا وبالصّناعات التّقليديّة لمنطقة الأغواط وهي أيضًا التي شجّعتني على الذّهاب نحو الحرفيّات وعلى الانخراط في العمل الجمعيّاتي”.كانت الابتسامة تعلو محيا عائشة وهي تنظر إلى ابنتها قبل أن تدخل في صلب الموضوع من خلال جرد كامل للمنتجات الأساسيّة التي تستخدمها لإعداد الأطباق المحليّة من سميد (دقيق القمح الصّلب) وغرس (عجين التّمر اللين) ودهان (سمن الغنم) وكليلة (نوع من الجبن الصّلب الذي يُعدّ انطلاقًا من حليب الغنم المخثّر) وهرماس (المشمش الصّغير المجفّف) …
شرعت عائشة في إعداد رفيس الأغواط وهو طبق يوزّع عادة في حفلات الزّواج. خلطت في صحن الغرس والدّهان والكليلة وعجنت الخليط لتقدّ منه كتلاً مستطيلة الشكل وقالت لنا: ” على عكس الجهات الأخرى في الجزائر، نحن في الأغواط لا نستخدم السميد في رفيسنا الذي لا نقتصر على إعداده للأعراس”.قبل أن تتقاعد وتتفرّغ لهوايتها كانت عائشة تدير مؤسّسةً عموميّةً محليّةً أمّا اليوم فهي تخصّص وقت فراغها لإعداد الأطباق والحلويّات التي تطلبها منها العائلات في تاجورنة بمناسبة أعراسها وقد أفادتنا عائشة بأنّ منحة تقاعدها محترمة وأنّها تقوم بذلك النّشاط خاصّة لنقل تراث الطّهي المحلّي إلى الأجيال الجديد وغرس الاهتمام به لديهم.
كسكسي، صوف و تراث
لا شكّ في أنّ الكسكسيّ هو الأكلة الأساسيّة للجزائريّين ولسكّان شمال افريقيا وليس سكّان منطقة الأغواط، من رحّل وجماعات مستقرّة، استثناءً لهذه القاعدة.يتمّ إعداد الكسكسيّ انطلاقًا من سميد القمح الصّلب ويتطلّب ذلك شيئا من القوّة البدنيّة والكثير من المهارة وقد اختارت دنيا، أمّ لخمسة أطفال، أن تمتهن فتل الكسكسيّ: ” توجد العديد من العلامات التي تنتج الكسكسيّ الصّناعي وتوزّعه في المتاجر لكنّ النّاس يفضّلون الكسكسي الذي يتمّ فتله بالطّريقة التّقليديّة لانّ طعمه ذكيّ ويمكن الاحتفاظ به بسهولة ولفترة أطول”.
تنتمي دنيا إلى شبكة حرفيّات جمعيّة الألف حرفة التي تعتمد مبدأ عمل بسيط حيث تتلقّى دليلة الطلبيّات وتشتري السّميد أمّا دنيا فتعدّ الكسكسي وتتلقّى مقابلاً للعمل الذي تقوم به وتقول دنيا في هذا الصّدد: ” طريقة العمل هذه تناسبني تمامًا لأنّها تحميني من جميع المخاطر إذ تتولّى دليلة جميع جوانب العمليّة وأكتفي أنا بالمهمّة الموكلة لي. بفضل دليلة بإمكاني أن أعمل على مدار السّنة وأن أنفق على أسرتي”.هو اتّفاق مربح للطّرفين كما يمكّن المستهلك من اقتناء منتج ذي جودة تمّ إعداده محليًّا.
تعدّ عاشوراء الصّوف وهي ترتدي اللباس التّقليدي الخاصّ بمنطقة الأغواط. تنتمي هي أيضًا إلى جمعيّة خيمة الألف حرفة في اختصاص حياكة الزبيّة وتكرّر لذلك حركات قديمة قدم التّاريخ. شرحت لنا عاشوراء عملها وهي تمشّط خصلات من الصّوف باستخدام مشط خشبيّ كبير الحجم: ” أعمل في حياكة الزربيّة منذ صغر سنّي وهي حرفة تعلّمتها من أمّي التي تعلّمتها من أمّها. هذا أمر عاديّ لأنّ جميع الأسر في المنطقة تنتج سجّادها بنفسها. لكنّ هذه التّقاليد بدأت تندثر بسبب العمل الجهيد الذي تتطلّبه”. يتطلّب تحضير الصّوف بالطّريقة التقليديّة الكثير من القوّة البدنيّة والوقت فبعد تمشيط الصّوف يجب تمريره عبر القرداش الذي يتكوّن من كفّتين تعلوهما مسامير معدنيّة تسمح بدمج الألياف. ثمّ يأتي دور المغزل وهو سنبلة خشبيّة تُستعمل لتشكيل الخيوط الصّوفيّة. تتطلّب هذه الخطوات قدرًا كبيرا من البراعة أمّا عاشوراء فهي تنجزها على نحو طبيعيّ. قبل لقائها بدليلة كانت عاشوراء تعمل في مركز للمنتجات الحرفيّة: ” اخترت صيغة العمل التي تقترحها الجمعيّة لأنّها تناسبني وتمكنّني من الحياكة باتّباع النّسق الخاصّ بي كما أنا على يقين من أنّني سأتلقّى مقابلاً لجهدي فور تسليم الطلبيّة”.
خلية من الحرفيات
إلى جانب الحرفيّات تعدّ شبكة خيمة الألف حرفة جمعيّات نسويّة محليّة لذلك اتّجهنا نحو تاويالة شمال غربيّ ولاية الأغواط للّقاء بأعضاء جمعيّة نور. توجد قرية تاويالة على ارتفاع 1239 مترًا وقد ذاع صيتها لجمال مواقعها الطبيعيّة وخاصّة شلّالاتها التي لا تنضب على مدار السنة ويقصدها الكثير في فصل الصّيف للاستجمام والرّاحة. هي مشهورة أيضًا بجودة فواكهها ويقول سيد علي التّواتي أنّ مزارعيها: “ينتجون برقوقا يضاهي في جودته برقوق مدينة أجان الفرنسيّة وهي حالة فريدة من نوعها في الجزائر” كما تنتج القرية التفّاح والاجّاص والمشمش ممّا يجعل منها فضاءً ملائمًا لتربية النّحل.إلى جانب ذلك عرفت القرية تطوّرًا مطّردًا على مستوى السياحة الايكولوجيّة والمنتجات البيولوجيّة والصّناعات التّقليديّة لتصبح المكان المناسب لاحتضان أنشطة المرأة الرّيفيّة.
تترأّس شائعة جمعيّة نور النسويّة في تاويالة. التقينا بها وهي ترتدي بدلتها الخاصّة بالعمل عندما تعتني بخلايا النّحل العشر التي أهدتها محافظة الغابات في الأغواط للجمعيّة وقالت لنا دون أن تتوقّف عن التنقّل بين خليّة وأخرى: ” تمثّل تربية النّحل نشاطًا جديدًا بالنّسبة لي لأنّني دأبت على حياكة الزربيّة. لقد حبتنا الطّبيعة ببساتين شاسعة حيث يمكن للنّحل ان يجمع رحيق الزّهور لذلك كان من البديهيّ أن نتّجه نحو انتاج العسل”.
التحقت شائعة بجارتها مريم للعناية بخلايا النّحل بمساعدة عدد من مربّي النّحل من شباب القرية وأفادتنا شائعة بأنّ جميعهم مازالوا في ” مرحلة التعلّم لكنّنا في غضون أشهر سننتج العسل الخاصّ بنساء الجمعيّة”. وقد أثار هذا العسل الذي تسهر على انتاجه نساء تاويالة اهتمام دليلة بلمشري: ” سنتولّى تعبئة العسل في قنّينات يذكر فوقها اسم جمعيّة نور. لا شكّ في انّ العسل سيكون بجودة عالية لأنّ النّحل يعيش في هذه البساتين الخلّابة كما لا شكّ في الطّاقات الكامنة لجمعيّة نور فيما يتعلّق بالمنتجات الطّبيعيّة وبالمطبخ المحلّي”.
بين الماضي والحاضر
بعد حصّة التذوّق اتّجهنا إلى منزل شائعة اين كانت في انتظارنا فطيمة وفاطمة وأم الخير. تستخدم شائعة غرفة جلوسها كمقرّ لجمعيّة نور ولعرض المنتجات التي تعدّها الحرفيّات من زرابي كبيرة الحجم وأخرى صغيرة وأرائك وحولي (غطاء السّرير) وغيرها من المواد المصنوعة من الحلفاء (نبتة صحراويّة متعدّدة الاستعمالات).تختصّ كلّ من فطيمة وفاطمة في تحويل الصّوف مثل جلّ حرفيّات تاويالة اللاتي تنسجن الزربيّة المميّزة لجبال العمور تلك السلسلة الجبليّة المنتمية إلى الأطلس الصّحراوي الذي يفصل التلّ عن الصّحراء. هي من أبرد الجهات في الجزائر إذ تعرف شتاءً قارسًا تغمرها خلاله الثلوج لتعزل القرى والنّجوع لذلك لا تكتفي الزربيّة بدور الزّينة وليست مجرّد محمل للرّموز القديمة بل تقي بعضها على غرار الحايك والحمبل أفراد العائلة ضدّ لسع الزّمهرير.
أمّا أم الخير فتختصّ في صناعة الطبق من الحلفاء متعدّدة الألوان وهي نبتة توجد في شكل خصلات أعلى الهضاب تُستخدم أيضًا لصناعة الحصير والورق. تتميّز أمّ الخير ببهجتها وبحبّها لعملها وهو ما أدركته دليلة بسرعة: ” هذه الأطباق جميلة جدًّا سأتزوّد بعدد منها خلال زيارتي القادمة كما أحتاج إلى عاكسات ضوء لأنّها من المنتجات التي يطلبها الحرفاء كثيرًا”. تحمل أمّ الخير وشمًا على جبينها وللوشم في التّقاليد وظائف وقائيّة لكن عندما طلبنا منها أن تشرح لنا معنى الرّمز الذي تحمله قالت بشيء من الخجل:” لا أدري ما يمثّله ذلك الوشم أعرف فقط انّني احمله منذ بلغت الرّابعة من عمري”. لم تعد النّساء اليوم تحملن الوشم كما كانت النّساء اللاتي ولدن قبل الاستقلال تحملنه على الوجه أو اليدين أو أعلى الصّدر فقد تلاشت هذه الممارسة منذ عقود ليندثر معها هذا الجزء من التّراث المرسوم على بشرة الجزائريين من نساء ورجال بعد بضع سنوات.
مريم صانعة المربّى
نزعت مريم الزي الخاص بتربية النحل وتوجّهت نحو المنضدة المخصّصة لحصّة تذوّق المربّى الذي تختصّ في صناعته من المشمش إلى الربّ (دبس التّمر) والقطع البارد (مشروب من المشمش المجفّف) وقالت لنا وهي تقف أمام منتجاتها: ” أصنع جميع أنواع المربّى باستخدام فواكه الجهة باستثناء التّمر اللين الذي نجلبه من الواحات. كلّ المواد المستعملة طبيعيّة ولا يشوبها أيّ مستحضر كيميائي ولا مواد حافظة”.لتحضير الربّ تقوم مريم بغلي الغرس، تلك التّمور الليّنة المستخدمة في صناعة الحلويّات التقليديّة. بعد الغلي تمرّ مريم إلى التّرشيح ثمّ العصر للحصول على سائل تطبخه على نار ضعيفة لتحصل على الربّ. هو دبس غنيّ بفيتامين أ وبالفسفور والكالسيوم والحديد ويمكن تناوله مباشرةً أو بدهنه على شطيرة. أمّا القطع البارد فهو مشروب البدو الرّحل في منطقة الأغواط وشرحت لنا مريم أنّ ذلك السّائل:” يسمح بمقاومة العطش لذلك نعدّه خلال شهر رمضان بخلط التّمر و الهرماس مع إضافة أعشاب طبيعيّة لمنحه مذاقًا منعشًا”.عرفت السّنوات الأخيرة شغفًا كبيرا بهذه المنتجات التقليديّة وهو ما خلق سوقًا في متناول حرفيّات الأغواط.
شبكة حرفية في إزدهار
يتطلّب بناء شبكة من الحرفيّات لعرض منتجات ذات جودة نفسًا طويلاً والكثير من المثابرة وهو ما تفعله دليلة بلمشري يوميًّا في تنقّلها من قرية إلى أخرى. رافقناها اليوم وهي متّجهة إلى قرية تاجموت الواقعة بين عين ماضي والأغواط للّقاء مع أمينة لخضاري المختصّة في علم الأحياء التي تنتج مادّة الخلّ. شرحت أمينة لمديرة جمعيّة ” خيمة الألف حرفة” كيفيّة استخدام منتجاتها: ” يتميّز الخلّ الذي أنتجه بتركيزه الشّديد وهو يُستخدم أساسًا في العلاج بالنّباتات. يتطلّب هذا الخلّ أن نحدّد الجرعة منه باستخدام ملعقة صغيرة قبل حلّها في الماء”.تحصّلت أمينة على شهادتين علميّتين الأولى في العلوم الزّراعيّة والثانية في علم الأحياء ثمّ انطلقت منذ سنة 2002 في انتاج الخلّ استجابةً إلى طلب ملحّ من والدها الذي يمارس الطبّ: ” أبي طبيب يمارس الطبّ العام لكنّه يهتمّ كثيرًا بالعلاج بالنّباتات. كان يوجّه بعض مرضاه نحو استخدام الخلّ لكنّ الكثير منهم تذمّر من عدم توفّر منتوج ذي جودة في الأسواق فنصحني بصناعته”. أردفت أمينة مبتسمةً:” أبي اليوم هو حريفي الأساسيّ”.
أمينة لخضاري هي مثال لباعثة المشاريع العاملة لحسابها الخاصّ التي نجحت في الرّبط بين البحوث الجامعيّة والنّهوض بالمنتجات المحليّة وقد قالت لنا: ” اغتنمت فرصة دراستي للعلوم الزراعيّة ولعلم الأحياء لتجويد عمليّة التخمّر وأنا لا أستخدم في صناعة منتجاتي سوى الفواكه البيولوجيّة ويتمّ الإشهاد بجودة منتجاتي البيولوجيّة عبر اختبارات تقوم بها مخابر في غرداية وورقلة على العيّنات التي أرسلها لها قبل مرحلة التّعبئة”. تنتج أمينة خلّ العنب وخلّ التفّاح وخلّ الصبّار وخلّ التّمر الذي يتطلّب معارف متخصّصة لأنّ كلّ صنف من أصناف التّمور ينتج خلّاً مختلفًا وقد أشارت أمينة إلى أنّ الرّحل في المرتفعات وفي الصّحراء يستهلكونه لقيمته الغذائيّة ولأنّه يمكن الاحتفاظ به لمدّة طويلة .
بعد سنوات عديدة من التجارب والاختبار أصبحت أمينة تتحكّم في عمليّة انتاج الخلّ و قد بيّنت لنا وهي تسكب كوبًا من عصير العنب الأحمر في صهريج من مادّة البلاستيك: ” امتنعت عن استخدام الأدوات المعدنيّة و خاصّة منها الأواني الكبيرة المصنوعة من الصّلب المطليّ لأنّ الأحماض التي يحتويها الخلّ تهاجم طبقة الطّلاء المضادّة للتّآكل ممّا يتسبّب في تحويل خاصيّات المنتج النّهائي لذلك لم أعد استخدم سوى الأواني البلاستيكيّة ” و اضافت أمينة بكل فخر: ” لقد صنعت هذا المرشح انطلاقا من أنبوب بلاستيكيّ كبير الحجم و هو يستجيب تماما إلى حاجتي”.
PAP ENPARD لتثمين المناطق الريفية
خيمة الألف حرفة هي نتاج للقاء جمع بين أحلام والتزام دليلة وخبرة فريق من المهنيّين بقيادة سيد على التّواتي، رئيس فرع برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة في ولاية الأغواط الذي أكّد لنا أنّ:” مفهوم خيمة الألف حرفة رأى النّور في إطار برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة وتمّ بعث الجمعيّة صلب هذا البرنامج الأوروبي وقد تابعت دليلة تدريبات حول إدارة الجمعيّات وتوليّنا مرافقتها في تكوين شبكتها التي تجمع النّساء الحرفيّات”.يتمحور عمل برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة حول تعزيز قدرات حاملي المشاريع في المناطق الرّيفيّة لتثمين الموارد والمنتجات المحليّة. في هذا السّياق انتفعت دليلة منذ سنة 2018 بمئات الأيّام من التّدريب والمرافقة من قبل خبراء جزائريّين وأوروبيّين شملت محاور متعدّدة من بينها هيكلة الجمعيّات وريادة الأعمال الرّيفيّة والتّنشيط الإقليمي والاتصال والمناصرة كما اكتسبت معارف نظريّةً وعمليّةً في مجال الهندسة البيداغوجيّة والتّدريب لتكون قادرة على نقل معارفها ومهاراتها إلى غيرها من أفراد الجمعيّة.
تُشارك رئيسة جمعيّة ” خيمة الألف حرفة” ورئيس جمعيّة ” الغوطة” في عمليّة التّدريب في خطّة مستشار للتّنمية الاقليميّة وإضافة إلى ممثّلي النّسيج الجمعيّاتي يتمّ حاليًّا تدريب عشر مستشارين في نفس الخطّة في ولاية الأغواط يمثّلون الإدارة المحليّة: 3 عن محافظة الغابات و2 من إدارة الزّراعة و2 من إدارة التّدريب المهني و2 من إدارة السياحة والصّناعات التّقليديّة و1 من غرفة الزّراعة.”أكّد رئيس فرع برنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة على أنّ “المشروع نظّم العديد من اللقاءات التنسيقيّة بين جميع مستشاري التّنمية الاقليميّة لضمان العمل، في إطار خطّة متّفق عليها، على معالجة مختلف الملفّات في ولاية الأغواط ذلك أنّ التّنمية الرّيفيّة تتطلّب مقاربةً مشتركةً بين القطاعات وهو بالتّحديد جانب من الجوانب المميّزة لبرنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة”.
رُصدت لبرنامج العمل النّموذجي للتنمية الرّيفيّة والزراعيّة ميزانيّةً تساوي 20 مليون يورو تتوزّع بالتّساوي على الجهتين الجزائريّة والأوروبيّة واستهدف البرنامج أربع ولايات هي الأغواط وسطيف وتلمسان وعين تموشنت ومن المزمع أن يصل إلى نهايته في نوفمبر 2019.بالنّسبة إلى ولاية الأغواط، أشار سيد على التّواتي إلى أنّ نسبة إنجاز الأهداف المرسومة للبرنامج متقدّمة «وسيتمّ تحقيقها أو حتّى تجاوز البعض منها” كما حدّثنا عن التّعاون مع السّلط المحليّة واعتبر أنّ ” دور محافظة الغابات كان محوريًّا إذ فهم بسرعة محافظ الغابات، وهو ممثل الإدارة في إطار البرنامج، أهميّة البرنامج ممّا جعل التّعاون بيننا مميّزًا”.إضافةً إلى خيمة الألف حرفة ساعد البرنامج على بعث جمعيّة الغوطة للفلاحة الإيكولوجيّة وقد أفادنا سيد علي التّواتي بأنّ هذه الجمعيّة الثانية تعمل على الحفاظ على التّراث الزّراعي الثريّ لولاية الأغواط وعلى النّهوض به”. تمّ كذلك إنشاء جمعيّتين للمهنيّين في اختصاص تربية النّحل في بلديّتي بن ناصر بن شهرة وقصر الحيران.