إنقاذ حياة أكبر عدد من الناس، حماية البنيات التحتية والأنشطة الاقتصادية. تلك هي الهداف التي يأمل محمد التبياوي، الخبير المغربي في تدبير الأخطار الطبيعية، تحقيقها من خلال نظامه الذكي “إنذار” الخاص بالتوقع والإنذار المبكرين بوقوع الفيضانات. الفكرة المبتكرة لهذا الرجل الخمسيني جذبت انتباه القائمين على برنامج Diafrikinvest الممول من قبل الاتحاد الأوروبي بنسبة 90 في المائة، فقررت مواكبته.
يرجع اهتمام محمّد بالمخاطر الطبيعيّة إلى سنة 2008 عندما تمّت تسميته كعضو في الخليّة الحكوميّة المكلّفة بالتّنسيق مع البنك العالمي في مجال إدارة المخاطر الطبيعيّة وقد انكبّت الخليّة على امتداد خمس سنوات على إعداد وتنفيذ استراتيجيّة وطنيّة مندمجة في المجال. أوضح لنا محمّد أنّ ” مجال تدخّل الخليّة كان يشمل خمسة مخاطر هي الفيضانات والتّسونامي والزّلازل والانزلاقات الأرضيّة والجفاف”.
بعد بضع سنوات غادر محمّد الخليّة لكنّه لم يستطع التخلّي عن المجال الذي أصبح يعني الكثير له: “كنت أتساءل هل سأرمي كلّ ما تعلّمته جانبا أم هل يمكنني أن أوظّف خبرتي ومعارفي للمساهمة في إنتاج شيء مفيد لبلدي؟ “
جاء الجواب على هذا السّؤال سنة 2014 عندما اجتاحت الفيضانات مدينة كلميم في جنوب البلاد وتسبّبت في وفاة 47 شخصًا وقرابة 530 مليون يورو من الخسائر بحسب البنك العالمي وقال محمّد بكلّ أسف وهو يستذكر تلك الكارثة: ” كانت من أشدّ الفيضانات التي عرفتها البلاد خلال السّنوات العشرين الأخيرة ولو كان لدينا منظومة ذكيّة للإنذار المبكّر لكانت الخسائر أقلّ بكثير”.
يقرّ محمّد بأنّ ” المغرب أنجز الكثير منذ تلك الفترة وحقّق تقدّمًا ملحوظًا في مجال إدارة المخاطر على مستوى البنى التحتيّة والحلول”. بيد أنّ العمل بوتيرة أسرع في هذا المجال يتطلّب من الإدارات المعنيّة “الانفتاح على الابتكار” ويعتبر محمّد أنّ تشريك المؤسّسات النّاشئة المغربيّة في مكافحة المخاطر الطّبيعيّة سيمكّن المغرب من ” الانتفاع من قدرتها على تطوير تكنولوجيا متطوّرة ومحليّة ذات كلفة محدودة يمكن أيضا تصديرها نحو افريقيا وفي العالم”.
في هذا السّياق بعث محمّد مؤسّسته النّاشئة “PREV DEV“ بهدف إعداد حلول ذكيّة للإنذار المبكّر بشأن الفيضانات معتمدًا في ذلك على الخبرة الميدانيّة التي اكتسبها وكذلك على خلفيّته العلميّة المتينة في مجال إدارة أنظمة المعلومات التي درسها في جامعة Carnegie Mellon في مدينة بيتسبورغ بولاية بنسيلفانيا الأمريكيّة (1979) ثمّ في جامعة واشنطن بمدينة سياتل (2007) وانكبّ مع فريقه بمساعدة وكالة الحوض المائي لأبي رقراق و الشاوية و بدعم من وكالة التّعاون الدّولي السّويسري على إعداد النّسخة الأولى من منظومة تحمل تسمية “انذار”.
انذار: دليل المستعمل
بالنّسبة إلى محمّد ” في مجال إدارة المخاطر، تكتسي كلّ ثانية أهميّة قصوى لذلك يجب أن يركّز عمل منظومة انذار على التنبّؤ والإنذار المبكّر للحدّ من تأثير الكوارث الطّبيعيّة على السكّان والبنى التحتيّة والنّشاط الاقتصادي”.
بفضل خوارزميّاتها تتولّى المنظومة آليّا تقييم وضع المياه والتّساقطات في المناطق المهدّدة وفي الحالات التي يكون فيها الخطر محدقًا تصدر المنظومة بشكل مبكّر وآليّ إنذارات قبل وقوع الأزمة بثماني وأربعين ساعة.
تتمثّل ميزة المنظومة في كونها ” تمنح المكلّفين بإدارة المخاطر الوقت الكافي للتدخّل على نحو وقائي لإجلاء السكّان المهدّدين أو حماية البنى التحتيّة الحسّاسة” ويقول محمّد أنّه كي يطّلع المسؤولون بوضوح عمّا يمكن أن يدور على الميدان ” تمدّهم منظومة انذار بصورة ثنائيّة أو ثلاثيّة الأبعاد مع تحديد دقيق لموقع البنى التحتيّة الاستراتيجيّة التي تهدّدها الفيضانات على غرار السّكك الحديديّة والطّرقات والمناطق الصناعيّة…”.
تستطيع منظومة انذار أيضًا انتاج نشرة انذار وتوزيعها على الأشخاص والهيئات المرخّص لها ويؤكّد محمّد أنّ ذلك ” من شأنه أن ييسّر العمل التّعاوني الذي يتطلّبه التصدّي للفيضانات مع تجنّب تحريف المعلومات”.
من أهمّ الخصائص التي تميّز المنظومة هي إمكانيّة نقلها من مكان إلى آخر بفضل التّطبيقة القابلة للتّحميل على الهاتف ويشرح محمّد لنا ذلك بقوله: ” في المغرب، عادة ما تتمّ المتابعة التكنولوجيّة للمخاطر داخل المكاتب لكن بفضل منظومة انذار يمكن للمسؤولين من أيّ مكان وفي أيّ وقت تقييم الوضع واصدار التّعليمات”.
وقد برهنت منظومة انذار على فاعليّتها خلال الاختبارات المنجزة باستعمال بيانات افتراضيّة ويجب الآن أن تنجح في اجتياز الاختبارات في الظّروف الحقيقيّة كي يتمكّن محمّد ومؤسّسته PREV DEV من اقناع المسؤولين بضرورة الاعتماد على منظومته الذكيّة للتنبّؤ والإنذار المبكّر.
المناصرة لفائدة انذار
أكّد البنك العالمي في دراسة نشرها سنة 2016 على أنّ ” خطر الكوارث الطبيعيّة في المغرب، من بينها الفيضانات، يكتسي طابعًا مزمنًا وحادًّا” ويقدّر البنك معدّل الخسائر السنويّة النّاتجة عن الكوارث الطبيعيّة في المغرب بين سنة 2000 وسنة 2013 ب 7,8 مليار درهم على أقلّ تقدير (715 مليون يورو) منها قرابة 60% بسبب الفيضانات.
إلى جانب الفيضانات التي اجتاحت مدينة كلميم سنة 2014 يعدّ المغرب أكثر من 250 نقطة سوداء تهدّدها الفيضانات لذلك يعتبر محمّد أنّه “لا بدّ من اعتماد منظومة مثل منظومة انذار في المناطق المهدّدة”.
تعزّزت مخاوف محمّد بعد أن أصدر مكتب الأمم المتحدة للحدّ من مخاطر الكوارث تقريرًا سنة 2018 جاء فيه أنّ العشريّتين الأخيرتين عرفتا ارتفاعًا مذهلاً بنسبة 151% في الخسائر الاقتصاديّة الناتجة مباشرةً عن الكوارث المرتبطة بالمناخ.
كما يتنبّأ التّقرير بهشاشة قصوى بنسبة 42% في المناطق السّاحليّة المغربيّة إزاء الفيضانات والانجراف في أفق سنة 2030 وبما أنّ المناطق المعنيّة تعدّ أغلبيّة السكّان (24 مليون نسمة) وأغلب المدن الكبرى والبنى التحتيّة الاقتصاديّة الهامّة ينتظر أن تتكبّد الكثير من الخسائر والأضرار إذا لم يتمّ التّسريع في نسق إرساء منظومات الوقاية من هذه الآفات.
واستنتج البنك العالمي من جانبه أنّ تدهور الوضع بسبب الفيضانات له تأثير أساسًا على المغاربة من ذوي الدّخل الضّعيف ومن شأنه أن يحدّ من جهود محاربة الفقر محذّرًا الحكومة من استياء المغاربة تجاه العجز عن الحدّ من المخاطر ممّا قد يفضي سريعًا إلى اضطرابات اجتماعيّة.
أمام هذا الوضع يعتبر محمّد أنّه لا بدّ من ” اعتماد تكنولوجيات جديد في إطار سياسة مندمجة في مجال إدارة مخاطر الفيضانات والصّمود تجاهها”.
مساهمة الاتحاد الأوروبي
يقول محمّد: ” عصب الابتكار هو المال” فمهما بدت منظومة انذار جذّابةً على المستوى النّظري لم يكن لها أن ترى النّور أبدًا لولا المرافقة الماليّة التي وفّرها الاتحاد الأوروبي. وفعلاً فقد انتفعت المؤسّسة النّاشئة PREV DEV من دعم بقيمة 20 ألف يورو تمّ توظيفها “لإتمام الأجزاء النّاقصة من المنظومة و لدفع أجور العالمين واختبار النّموذج الأوّلي و اقتناء البيانات الضروريّة للاختبارات”.
تدور عمليّة مرافقة PREV DEV كما هو الحال بالنّسبة إلى مؤسّسات ناشئة أخرى في المغرب من خلال برنامجين أوروبيّين هما Diafrikinvest و The Next Society بالتّعاون مع برنامج التّسريع المغربي “ StartUp Maroc Booster” الذي تديره الجمعيّة غير الربحيّة StartUp Maroc و هي هيئة احتضان و مرافقة معتمدة من قبل صندوق الضّمان المركزي الذي كلّفته الحكومة المغربيّة بدفع المبادرة الخاصّة وتشجيع الابتكار.
تفوق المساهمة الماليّة التي يوفّرها الاتحاد الأوروبي عبر برنامجي Diafrikinvest وThe Next Society 12 مليون يورو على امتداد أربع سنوات (2017-2021) و هو مبلغ هامّ يتصرّف فيه الذّراع المالي لصندوق الضّمان المركزي، Innov’Invest.
يتولّى الاتحاد الأوروبي تمويل برنامج Diafrikinvest بنسبة 90% أي ما يعادل 2,2 مليون يورو في إطار الحوار الأورو- افريقي حول الهجرة و التّنمية ( مسار الرّباط) و تديره شبكة الاستثمار Anima التي تتعاون مع StartUp Maroc لإنجاز بعض أنشطتها.
أمّا برنامج The Next Society فتدعمه المفوضيّة الأوروبيّة وتشرف على إدارته StartUp Maroc وهو يعدُّ اليوم أكثر من 300 منظّمة من عالم الأعمال والابتكار والبحوث والاستثمار و25000 مؤسّسة صغرى ومتوسّطة وروّاد أعمال من 30 بلدًا متوسّطيًا. يسعى البرنامج إلى ” تذليل المصاعب التي تحول دون الابتكار ودون إطلاق الطّاقات الكامنة لدى المبتكرين” وإلى ” تعزيز الأطر الملائمة للابتكار ولخلق القيمة المضافة” وكذلك إلى “ دفع الحلول العمليّة الملموسة“.
إضافة إلى برنامجي Diafrikinvest و The Next Society يمكن للمؤسّسات الميكرويّة و الصّغرى والمتوسّطة المغربيّة مثل PREVDEV أن تحصل على منح أخرى من الاتحاد الأوروبي مثل تلك التي يوفّرها برنامج دعم القدرة التّنافسيّة و النموّ الأخضر. تمّ التّوقيع على هذا المشروع مع الحكومة المغربيّة في شهر نوفمبر 2016 بقيمة 105 مليون يورو ويتمّ تنفيذه بالتّعاون مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والوكالة الوطنية المغربيّة للنهوض بالمؤسّسات الصغرى والمتوسطة والوكالة الألمانيّة للتّعاون الدّولي (GIZ).
كما يموّل الاتحاد الأوروبي برنامج ” المشاريع الصّغرى” للاستشارة والتّمويل لفائدة المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة (يشرف على تنفيذه البنك الأوروبي لإعادة البناء و التّنمية) و يساهم في البرامج المخصّصة لكفاءة الطّاقة في المجال الصّناعي (برنامج (مورسيف)، وهو خط ائتماني لتمويل الطاقة المستدامة في المغرب، ميد تاست (سويتش ميد).
يعتبر الاتحاد الأوروبي أنّ كافّة هذه البرامج الموجّهة نحو الدّعم المحلّي والدّولي والمؤسّسات الميكرويّة والصّغرى والمتوسّطة والمبتكرين في البلدان النّاشئة، ومن بينهم المغرب، من شأنها أن تخلق قيمةً مضافةً وأن تساهم في حلّ المشاكل المعاصرة وأن تكون في ذات الوقت مصدر الهام لبقيّة العالم.
روابط EU Neighbours
وفد الاتحاد الأوروبي