لن يتخلّف أحد عن ركب محاربة الاتحاد الأوروبي للتطرّف العنيف

سبتمبر 18, 2019
مشاركة في

التقى يوم 31 جانفي/يناير 2019 في البرلمان الأوروبي في بروكسل العديد من المسؤولين والخبراء والباحثين والصحفيّين العاملين على إيجاد حلول لانتشار التطرّف العنيف في منطقتي السّاحل والمغرب العربي لتقاسم وجهات النّظر بشأن برنامج يموّله الاتحاد الأوروبي بقيمة 5 مليون يورو ويتولّى تنفيذه معهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة  UNICRI.

اعتمد معهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة برنامجًا نموذجيًّا ضخمًا وطموحًا يمتدّ على أربع سنوات (2015-2019) حول محاربة الرّاديكاليّة والتطرّف العنيف في منطقتي السّاحل والمغرب العربي وبعد أن سجّل البرنامج نجاحًا واضحًا تمّ تمديده إلى غاية شهر جوان/يونيو 2020.

بدعم من المفوضيّة الأوروبيّة وجهاز العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي تمّ تقديم 48 منحة صغيرة في إطار المشروع النّموذجي في منطقة المغرب العربي.

مناهضة التطرّف العنيف والوقاية ضدّه

يعلم الجميع أنّ التطرّف العنيف في تزايد منذ الحرب السّوريّة والدّعاية او البروباغندا التي قامت بها تنظيم الدّولة الاسلاميّة (داعش) وهو يعني عمومًا قبول استخدام العنف تماشيًا مع التزام عقائدي بهدف تحقيق أهداف سياسيّة أو دينيّة أو اجتماعيّة ولا يكتفي المتطرّف العنيف باعتناق ايديولوجيا بل يتصرّف أيضًا بناءً على مبادئ تلك الأيديولوجيا.

وقد أدرك برنامج معهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة حول مناهضة التطرّف العنيف والوقاية ضدّه أهميّة هذه المسألة وتعقيدها ووظّف التّمويل الأوروبي لحلّ هذا الاشكال من خلال العديد من المشاريع الميدانيّة في مناطق هشّة تمّ اختيارها بكلّ عناية في عدد من البلدان في منطقتي السّاحل والمغرب العربي. بالنّسبة إلى المغرب العربي، استقطب كلّ من المغرب والجزائر وتونس وليبيا الاهتمام حيث تمّ بناء برنامج مناهضة التطرّف العنيف والوقاية ضدّه على نحو يستجيب إلى متطلّبات السياقات الثقافيّة في المنطقة مع تدخّلات محليّة مركّزة والمشاركة على المدى الطّويل مع الفاعلين الموثوقين داخل المجتمع.

 تعتمد بنية المشروع على دراسة السياق الفعليّ لكلّ مجتمع محليّ قبل إطلاق مبادرات شعبيّة ومتابعة مفعولها ونتائجها ويتمثّل الهدف الأساسيّ للمشروع في فهم الآليّات التي تمتّن صمود المجتمع تجاه التطرّف العنيف والرّاديكاليّة.

لن يتخلّف أحد عن الرّكب

سعيًا إلى احتواء كافّة الفئات الهشّة تمّت ترجمة المحاور المختلفة إلى أنشطة ميدانيّة شملت البيئة والفنون والثقافة مرورًا بالتّسامح الدّيني وحقوق المرأة ومهارات التّحاور والتّفكير النّقدي وصولاً إلى الرّياضة، والاعلام والإذاعة، والمناصرة والرّيادة.

لم يتخلّف أحد عن الرّكب فقد كان الجمهور المستهدف عريضًا من بينه نسبة 27% من الشباب و13% من النّشطاء صلب المجتمع المدني و11% من النّساء و11% من الصحفيّين و11% من الأئمّة والزّعماء الدّينيّين و8% من المدرّسين في المدارس القرآنيّة والمدارس الحكوميّة و6% من الإدارة المحليّة و5% من الأقليّات و3% من زعماء القبائل و3% من اللاجئين والعائدين و3% من العبيد السّابقين.

بعد التّمديد في مدّة البرنامج النّموذجي المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي إلى سنة 2020 سيتمّ الفراغ قريبا من التّقييم الكيفيّ للمرحلة الأولى منه وسيتمّ أيضًا إصدار تقرير بالنّتائج الأوليّة ورغم الطّابع الأوّلي للتّقييم فهو يكتسي أهميّةً حيويّةً إذ مكّن معهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة من تحديد الممارسات الفضلى ومن صياغة الاستنتاجات المبكّرة بشأن ما ينبغي فعله وما ينبغي تجنّبه عند العمل على تعزيز صمود المجتمعات المحليّة إزاء الرّاديكاليّة والتطرّف العنيف. سيتمّ في مرحلة لاحقة استعمال النّتائج لتعديل الأنشطة المستقبليّة لتصبح أكثر نجاعة وأشدّ فعاليّة. 

في نفس الوقت يتمّ توزيع رسائل اخباريّة شهريّة تستعرض اهمّ المعلومات وتقدّم آخر المستجدّات مع أمثلة عمليّة للأنشطة المنجزة على الميدان.

مجموعة موسّعة من المشاريع

قام معهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة بدعم عدد كبير من المبادرات التي أطلقتها المنظّمات المحليّة وبما أنّ الشباب يمثّل أغلبيّة سكّان المنطقة المغاربيّة تمّ تخصيص معظم الأنشطة لتلك الفئة العمريّة مع اعتبار التحدّيات التي تواجهها على غرار البطالة ونقص الخدمات العموميّة والنّفاذ إلى العناية الصحيّة وانعدام الثّقة في الهيئات السياسيّة والفساد.

من ضمن المبادرات النّاجحة نذكر مبادرة “الشباب موحّد ضدّ الرّاديكاليّة” التي نفّذتها في المغرب اللجنة الأوروبيّة للتّدريب والزّراعة، وفي تونس مشروع “أمل: دعم المواطنة الدّيمقراطيّة من خلال الابداع الفنّي” الذي أنجزته منظّمة فنّي رغمًا عنّي، وفي ليبيا مبادرة ” المواطن الفاعل ” لمنظّمة H2O من أجل دعم الانتقال الدّيمقراطي ومشاركة الشباب، ومبادرة اقليميّة بعنوان “الاعلام من أجل الدّيمقراطيّة في شمال افريقيا” التي تولّى إنجازها الاتحاد الدّوليّ للصحفيّين.

“بفنّنا نستطيع تزويق المعاهد والمدارس الرّيفيّة والطّرقات”

مازن السماتي (21 سنة) هو فنّان تونسيّ مولع بالرّقص. شارك مازن في واحد من أكبر المشاريع التي أشرفت على إنجازها منظّمة ِCOOPERA ” الشباب من أجل التّعاون الإنمائي الدّولي”. تمثّلت المبادرة في نشاط ثقافيّ متنقّل ومتعدّد الاختصاصات لفائدة الشبّاب المعرّض للاستبعاد الاقتصادي والاجتماعي وللتطرّف العنيف والرّاديكاليّة وللتّجنيد لفائدة الارهاب. دارت الأنشطة في الجبال التّونسيّة على مقربة من الحدود الجزائريّة التي تعتبر للأسف معقلاً للمهرّبين والارهابيّن ومقرًّا رئيسيًّا غير رسميّ للمجموعات الجهاديّة.

قال مازن انّه شارك في قافلتين ثقافيّتين مختلفتين نظّمهما المشروع:” قبل القافلة، كنت أمارس الرّقص وعند مشاركتي في التّظاهرة تمكّنت من تنمية موهبتي وتقنيات الرّقص وفي النّهاية كنّا قادرين على تقديم عرض جميل”.

لم يكتف مازن بالرّقص بل اعتنق شكلاً جديدًا من أشكال التّعبير حيث قال لنا: ” إضافةً إلى الرّقص تعلّمت فنًّا جديدًا وهو الرّسم على الجدران الذي أصبحت مولعًا به إلى درجة جعلتني بعد نهاية القافلة الثقافيّة أبعث مع ثلّة من أصدقائي مجموعة The Junks التي اختصّت في تزويق الفضاءات داخل المدن لإكسابها صورةً مختلفةً ومظهرًا جديدًا يحثّ على فتح الأفق أمام الشباب. أضاف مازن انّه تعرّف بفضل القافلة على أصدقاء جدد: “وتمكّنّا من خلال فنّنا من تزويق المعاهد والمدارس الرّيفيّة والطّرقات”.  لقد أطلقت هذه المبادرة العنان لمخيّلة الشباب وجعلتهم يعبّرون عن صوت الجيل الشاب على الجدران وشجّعت COOPERA عملهم من خلال اقتناء مختلف الأدوات والمعدّات الضروريّة للرّسم.

تميّزت أنشطة المشروع بتنوّعها وقد تنقّلت القافلة، بالتّعاون مع القادة المحلّيين وزعماء القرى، إلى القصرين وسوسة وتونس والكاف وسبيطلة وتالة والقيروان ونظّمت في رحلاتها عروضًا موسيقيّةً وورشات متعدّدة.

دارت الورشات في سبعة مواقع وامتدّت على أكثر من ستة وثلاثين يومًا وغطّت احدى عشر محورًا من البريك دانس إلى الرّسم على الجدران والتّصوير الفوتوغرافي والحلاقة والوشم بالحنّاء وتقطير زيت اكليل الجبل والصّناعات اليدويّة المختلفة استجابةً إلى اذواق واختيارات الجميع وقد شارك في الورشات أكثر من 608 شابّ وشابّة.

أميمة درويشي هي شابّة لم تتجاوز الثانية والعشرين تتمتّع بشخصيّة جذّابة ودرست تصميم الأزياء. تقاسمت أميمة تجربتها معنا بكلّ سرور وقالت أنّها شاركت في القافلة الثقافيّة اللتي نظّمتهما COOPERA واعتبرت أنّ التّظاهرة مثّلت تجربةً جميلةً بالنّسبة لها تمتّعت بها كلّ المتعة وتعلّمت من خلالها الكثير خاصّة في مجال الرّقص والمسرح.

انتفعت أميمة من مرافقة في مجال “التّعبير الجسدي” وهي مقاربة مخصّصة للرّاقصين والممثلين في مجال الحركة. تتمثّل التّقنية في تحقيق الحدّ الأقصى من الطّاقة الجسديّة لتحسين الأداء وقد تمكّنت أميمة من خلال العمل صلب مجموعة من تجاوز ذاتها رغم أنّها كانت متحصّلة على ميداليّات بعد أن وصلت في المراتب الأولى في اختصاص كرة السلّة وكرة القدم والجمباز. ومع ذلك تعتبر أميمة أنّ التجربة التي خاضتها مع المشروع ساهمت في تعزيز احترامها لذاتها وحثّتها على تمتين العلاقة التي ربطتها مع أصدقائها الجدد وستساهم ربّما في جعلها تبني مشاريع مستقبليّة جديدة.

في نهاية المطاف أليس الحديث بشأن تمتين احترام الذّات وتوفير الأدوات ومنح الأمل وإعطاء معنى للحياة هو أفضل سبيل لمحاربة التطرّف والعنف؟

عمومًا كانت هذه الأنشطة المموّلة من قبل الاتحاد الأوروبي بمثابة الأذن الصّاغية كما دفعت المشاركين لطرح تحدّيات على أنفسهم ليكونوا مبدعين وللإنتاج في كنف الإحاطة التي تمتّعوا بها ثمّ تلقّوا التّهاني على الأعمال المنجزة ذلك أنّ الشّعور بأنّ أحدًا يصغي حقًّا لما نقوله وبأنّنا نستطيع تبادل تجاربنا الخاصّة والاطّلاع على التّحدّيات التي يواجهها الغير في الحياة من شأنه أن يساعدنا على بلوغ المزيد من الرّاحة الدّاخليّة والانسجام.

الأفضل لم يأت بعد

يقول الخبراء أنّ أهمّ الأسباب الكامنة خلف التطرّف الدّيني هي المعلومات المضلّلة والرّغبة في معنى أكبر للحياة مع المزيد من النّظام والحاجة إلى التّغيير بيد أنّ ضعف المستوى الثقافي والتّعليمي وهشاشة الاندماج الاجتماعي هي أيضًا من العوامل الأساسيّة المتسبّبة في التطرّف. وقد عملت أكثر من 80 منظّمة من منظّمات المجتمع المدني في منطقتي السّاحل والمغرب العربي مع مجموعات مجتمعيّة على هذه الجوانب وحاولت القضاء على الإحساس بالغبن والدّفع نحو التّفكير النّقدي وحقوق الانسان والمساواة بين الجنسين والابداع الفنّي.

لا شكّ أنّ البرنامج الإقليمي المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي قد أنجز الكثير لفائدة المجتمعات المحليّة فقد تمّ تصميمه على نحو يجعل أنشطته المتنوّعة ترفع من وعي الشباب المنتفع ليتولّى بدوره توعية غيره وتعمّ بذلك المنفعة على الجميع. وقد نجحت المبادرات المحليّة من خلال احترامها للعادات والتّقاليد الثقافيّة والدّينيّة في دفع التّماسك والاندماج المجتمعي ممّا ولّد المزيد من الصّمود صلب المجتمعات إزاء انتشار ايديولوجيات التطرّف العنيف ومن المنتظر أن يعرف المستقبل نتائج أفضل بما أنّ المقاربة المعتمدة لتنفيذ هذه الأنشطة المنجزة على نطاق محدود يمكن تطبيقها في مناطق أخرى من العالم تشهد ظواهر مماثلة.  

 

روابط EU Neighbours

الفيسبوك

تويتر

لينكدين

روابط يونيكري

موقع الكتروني

تويتر

تقرير التقييم

اقرأ في: English Français